الاجتماعية ، بل بإرادة التشريع والإرشاد ، وبهذا يتضح معنى قوله : (فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) أي لو أراد أن يتدخل في شئونكم الاجتماعية بإرادة (كُنْ فَيَكُونُ) لآمنتم جميعا ، ولكنه لا يفعل ، لأنه لو فعل لبطل التكليف ، وانتفى الثواب والعقاب.
وبتقرير ثان ادعى المشركون ان شركهم كان بمشيئة الله ، فأبطل سبحانه دعواهم هذه بأنها من غير دليل ، لأن الله لا يتدخل في شئون عباده بإرادة التكوين سلبا ولا إيجابا .. ولو سلّم ـ جدلا ـ انه يتدخل بهذه الارادة التي تلجئ الإنسان إلجاء ، لو افترض هذا لألجأهم سبحانه إلى الإيمان بوحدانيته بطبيعة الحال ، ولم يلجئهم إلى عصيانه والكفر به وجعل الشريك له.
(قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هذا). افترى المشركون على الله الكذب في تحريم ما حرموا من الحرث والأنعام ، وأيضا افتروا عليه في نسبة شركهم اليه ، فأمر نبيه محمدا في الآية الأولى أن يقول لهم : هل عندكم دليل على ما تدعون ، فتخرجوه لنا؟. ثم أمره في الآية الثانية أن يقول لهم : ان الدليل القاطع لكل شبهة ملك لله ، لا لكم ، ثم أمره في هذه الآية أن يقول لهم : أروني من يشهد بأن الله أوحى اليه مباشرة ، أو بواسطة نبي من أنبيائه انه تعالى حرم ما حرمتم أيها المشركون ، لأن الشهادة الحقة يشترط فيها العلم القاطع للشك والاحتمال ، ولا وسيلة للعلم بحرام الله وحلاله إلا الوحي ، فأحضروا من يشهد به (فَإِنْ شَهِدُوا) على سبيل الفرض (فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ) هذا النهي كناية عن كذبهم في شهادتهم ، لأن النبي محال أن يشهد مع المشركين .. والكناية أبلغ من التصريح.
(وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ). بعد أن حكم الله عليهم بالكذب والافتراء بيّن علة حكمه بأمور ثلاثة : الأول انهم يتبعون الأهواء والشهوات ، وعبّر عن ذلك بقوله : (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) لأن النبي محال أن يتبع من كذّب بنبوته. الثاني انهم (لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) ومن لا يؤمن بالآخرة لا يخشى عاقبة الكذب. الثالث انهم (بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) أي يجعلون له عدلا يشاركه في الخلق ، ومن يشرك بالله فلا تقبل له شهادة ، لأنه قد ارتكب أقبح القبائح.