إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ) ـ ٢٢ إبراهيم.
وفي الآية التي نحن بصددها حكى سبحانه ادعاء المشركين ان شركهم وشرك آبائهم ، وتحريم ما حرموا من الحرث والانعام إنما كان بمشيئة الله وأمره ، ولو شاء أن لا يشركوا لمنعهم عن الشرك (كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا) أي لقد كذّب مشركو العرب بمحمد (ص) الذي نهاهم عن الشرك والافتراء على الله ، تماما كما كذّب من كان قبلهم بأنبياء الله ورسله ، ولم يصدقوهم إلا بعد أن نزل بهم العذاب جزاء على تكذيبهم.
وبعد أن حكى سبحانه ادعاء المشركين وانه في الكذب كادعاء أسلافهم أمر رسوله ان يرد عليهم بسؤال يخرسهم ، ويبطل ادعاءهم ، وهو (قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا) المراد بالعلم هنا الدليل ، وهو من باب اطلاق المسبب على السبب ، لأن الدليل سبب لحصول العلم ، والقصد من هذا السؤال اظهار عجزهم وكذبهم ، لأن معناه لقد زعمتم أيها المشركون ان الشرك كان برضا من الله ، فمن الذي قال هذا؟. ومن أين علمتم بمشيئته تعالى؟. انها من غيبه ، ولا يطلع على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول ، والرسول لم يقل هذا لكم ولا لغيركم ـ اذن ـ كيف تحيلونه على الله جل ذكره؟.
(إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ). ونحن لا نشك أبدا بأن أكابر المجرمين يعلمون انهم يخرصون ويكذبون فيما قالوا ، وانما قالوا عنادا للحق الذي يزهق أباطيلهم ، ويقضي على أغراضهم ومكاسبهم العدوانية.
(قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) بيّن سبحانه في الآية السابقة ان المشركين لا حجة لهم على ما يدعون سوى الظن والتخرص ، وفي هذه الآية بيّن ان الحجة القاطعة هي لله وحده عليهم وعلى غيرهم ، ومعنى بالغة انها قد بلغت من القوة ما تقطع بها كل عذر (فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ). في المجلد الأول ص ٧٢ ذكرنا ان لله إرادتين : ارادة الخلق والتكوين ، وهي عبارة عن قوله : (كُنْ فَيَكُونُ) وارادة الطلب والتشريع ، وهي عبارة عن أمره ونهيه ، وانه سبحانه يخلق الكون بإرادته التكوينية ولا يتدخل ـ ان صح التعبير ـ بهذه الارادة في شئون الناس