فِي ما آتاكُمْ) خلق الله سبحانه هذه الأرض ، وجعلها مقرا صالحا لنشأة الإنسان بجوها وتركيبها ، وحجمها وبعدها عن الشمس والقمر ، وجهزها بجميع ما يحتاج اليه الإنسان ، حتى وسائل الانس والترفيه ، تماما كالدار التي حوت خيرات كل شيء ، ثم اسكن الإنسان فيها بعد أن زوده بالمؤهلات والاستعداد الكامل للانتفاع بخيرات الأرض وبركاتها ، وشاءت حكمته تعالى أن يتفاوت الناس في تلك المؤهلات ، وأن يكون بعضهم فوق بعض في العقل والعلم وقوة الجسم ، واختط لهم منهجا قويما ليختبر الأقوياء (١) : هل يؤدون شكر هذه النعمة ، ويتجهون بقوتهم ومؤهلاتهم الى صالحهم وصالح إخوانهم من بني الإنسان ، أو يتخذون منها أداة للظلم والاستغلال والتعاظم والتكاثر؟. وقد دلت هذه الآية ان الله سبحانه قد أوجد الإنسان على هذه الأرض للعلم والعمل النافع.
وتسأل : كيف تجمع بين هذه الآية ، وبين الآية التي تقول : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)؟.
الجواب : لا تنافي بين الآيتين ، لأن العلم والعمل النافع عبادة لله ، بل من أفضل العبادات ، وأكمل الطاعات.
(إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ) ابتلى عباده ليتميز الخبيث من الطيب ، فيعاقب هذا ، ويثيب ذاك (وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) وليس لرحمته حد ، ولا لعفوه قيد .. أجل ، ان التوبة تجعل العفو جزاء وفاقا ، ويبقى عفو السخاء والكرم ، وعطاء الجود الذي لا موجب له إلا ذاته القدسية ، وهذا هو الدليل : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) ـ ٣٠ الشورى. أي كثير مما كسبت أيدينا.
اللهم انّا نستغيث بك من أنفسنا ، ونسألك العفو عن أوزارنا.
__________________
(١). عند تفسير الآية ٩٤ من المائدة بينا معنى الاختبار من الله لعباده.