وجده في اضلالهم واغوائهم ، بحيث لا يدع معصية إلا أغراهم بها ، ولا طاعة إلا ثبطهم عنها .. فان أمرهم الله بالجهاد والتضحية بالنفس حبب إبليس اليهم الحياة ، وان حثهم سبحانه على بذل المال في سبيله خوّفهم اللعين من الفقر ، وان نهاهم الجليل عن الخمر والزنا والميسر ونحوه زيّن لهم الخبيث الملذات وحب الشهوات ، وان توعدهم الله بالنار ، ووعدهم بالجنة قال لهم عدو الله وعدوهم : لا جنة ولا نار .. وهكذا يعد لكل حق باطلا ، ولكل قائم مائلا .. وتنطبق هذه الصورة كل الانطباق على الذين باعوا دينهم للشيطان ، يبررون أعمال المستعمرين ، وقتل النساء والأطفال ، وتشريد الآمنين من ديارهم.
(قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً). الذأم العيب والاحتقار ، والدحر الطرد ، وقد خص الله بهما إبليس ، حيث أنزله الله سبحانه من المقام الذي كان فيه ، أما جهنم فإنها له ولحزبه الذين أطاعوه ، وعصوا أمر الله (لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ) ونحو هذه الآية قوله تعالى : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ).
وهنا تساؤلات تطلب أجوبتها ، وهي أولا : هل كان خطاب الله لإبليس بواسطة أو بلا واسطة؟ ثانيا : ان قول إبليس : (فَبِما أَغْوَيْتَنِي) يدل على ان إغواءه كان من الله ، فكيف يعاقبه عليه؟ ثالثا : لما ذا أمهل سبحانه إبليس وهو يعلم فساده وإفساده؟.
ونجيب عن هذه التساؤلات الثلاثة بايجاز شديد .. فعن التساؤل الأول : نحن نؤمن بوجود هذا الحوار ، لأن الوحي دل عليه ، والعقل لا يأباه ، وما علينا أن نبحث عن هيئته وكيفيته ، ما دام الوحي لم يصرح به.
وعن التساؤل الثاني : ان الغواية من إبليس ، وليست من الله تعالى ، وقد اعترف إبليس بنفسه على انه هو الغاوي في الآية ٣٩ من الحجر : (وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ). وكيف يغوي الله العبد ، ثم يعاقبه على الغواية؟! تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، أما قول إبليس : (فَبِما أَغْوَيْتَنِي) فمعناه بما امتحنتني به من الأمر بالسجود لآدم الذي أوقعني في الغي والعصيان فاني سأفعل كذا وكيت .. وبكلمة ان قول إبليس هذا هو تعبير ثان عن قوله :