النوع الثالث منه ما يحيا بالماء كالحيوان والنبات والإنسان ، وهو المقصود من التعميم بقوله تعالى : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ) ومنه ما يحيا بالنار .. وبكلمة ان الماء ضرورة لحياة الإنسان ـ بموجب طبعه وتكوينه ـ وكذلك سائر أفراد الحيوان وأنواعه ، والنبات وأصنافه ، وهذا لا يمنع أن يكون هناك مخلوقات تكون النار ضرورة لحياتها ، قال أهل الاختصاص بعلم الحشرات : ان نوعا منها لا يحيا إلا بالهواء السام ، وآبار البترول.
(قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ). قيل : ضمير منها يعود الى الجنة. وقيل : إلى السماء .. ونحن لا نهتم بالتفاصيل إذا لم يرد لها ذكر في الكتاب أو السنة ، ونكتفي بالإجمال ، وسياق الكلام يدل على ان الضمير يعود الى الدرجة الرفيعة عند الله ، والمعنى ان الله سبحانه طرد إبليس من رحمته الى لعنته جزاء على تكبره وامتناعه عن طاعته ، فان السجود لآدم بأمر الله هو طاعة لله ، وليس لآدم .. وكل من يرى لنفسه الحق في ان يرفض حكم الله فقد حقت عليه اللعنة الى يوم الدين.
(قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ). لحاجة في نفس إبليس ـ سيصرح بها ـ طلب الامهال إلى يوم يبعثون قال ـ تعالى ـ (إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ). قيل : ان إبليس طلب الامهال الى اليوم الذي تحيا فيه جميع الأموات للحساب والجزاء ، فرفض الله طلبه هذا ، وأمهله الى اليوم الذي تموت فيه جميع الأحياء ، وهو المشار اليه بالآية ٣٨ من الحجر : (قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) وهذا اليوم هو ساعة النفخ في الصور الذي دلت عليه الآية ٦٨ من الزمر : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ).
(قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ). قطع إبليس عهدا على نفسه انه سينتقم لمأساته من هذا المخلوق الذي كان السبب لطرده من رحمة الله الى لعنته ، وبيّن نوع هذا الانتقام بأنه سيقعد على الطريق المؤدية الى الله وطاعته ، ويصد عنها آدم وذريته.
(ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ). وإتيانه لهم من هذه الجهات الأربع كناية عن وسوسته ،