كلمة منعك متضمنة معنى حملك ، ويكون تأويل الكلام هكذا : ما حملك على ترك السجود ، والمراد بالسجود سجود التحية ، لا سجود العبادة ، وهو طاعة لله تعالى ، لأنه بأمره.
(قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ). وما فعل إبليس فعلة إلا ابتدع لها مبررا ، والشرط الأساسي لكل مبرر في منطقه أن يخالف إرادة الله ومرضاته ، هذا هو الأصل الأول الذي يعتمده إبليس في جميع أقواله وأفعاله .. يجتهد الفقيه في البحث ليهتدي الى ما شرع الله من أحكام ، أما إبليس فيشرع أحكاما ترتكز على قال الله .. وأقول .. أمره الله بالسجود لآدم فرفض ولم يعتذر ، بل اعترض بجرأة وصلافة ، وقال : كيف اسجد لمن أنا خير منه؟! وكأنه يقول لله تعالى علوا كبيرا : كان الأولى ان تأمر آدم بالسجود لي ، دون أن تأمرني بالسجود له .. وابتدع مبررا لهذه الأولية ، وهو افتخاره بخلقه ، وتعصبه لأصله : (خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ).
فالعزة والكرامة في منطق إبليس بالتعصب للأصل ، لا بتقوى الله وطاعته ، وعند الله بالفعل والتقوى ، لا بالأصل ، والعلم عند إبليس هو القياس والأهواء ، وعند الله هو الوحي وحكم العقل الذي لا يختلف فيه اثنان لبداهته ووضوحه. فمن تعصب لأصله ، أو قاس الدين برأيه فقد اقتدى بإبليس ، من حيث يريد أو لا يريد ، قال صاحب تفسير المنار : روي عن جعفر الصادق عن أبيه عن جده ان رسول الله (ص) قال : أول من قال قاس أمر الدين برأيه إبليس ، قال الله تعالى له : اسجد لآدم ، فقال : أنا خير منه الخ. ثم قال جعفر : فمن قاس أمر الدين برأيه قرنه الله تعالى يوم القيامة إبليس.
وتسأل : تدل هذه الآية على ان الحياة توجد من النار ، ومثلها الآية ١٥ من سورة الرحمن : (وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ). المارج الشعلة ذات اللهب الشديد .. وكيف يجتمع هذا مع قوله تعالى : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ)؟.
الجواب : ان الكائنات الحية التي جاء ذكرها في القرآن الكريم على أنواع ، منها عالم الملائكة ، ومنها عالم الجان ، ومنها ما يعيش في هذه الأرض ، وهذا