ثناؤه أنشأ أصلنا الأول من تراب ، وأنشأنا نحن من النطفة التي تنتهي إلى التراب ، والمراد بصورناكم انه جعل المادة الأولى التي خلقنا منها بشرا سويا على الهيئة التي هو عليه : (أكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً) ـ ٣٧ الكهف ، فالفرق بين الخلق والتصوير ان خلق الشيء معناه إيجاده وانشاؤه ، أما التصوير فهو إعطاء الشيء صورة خاصة بعد إيجاده.
وتسأل : ان أتباع دارون يقولون : إن الإنسان وجد أول ما وجد على غير صورته هذه ، ثم انتقل من نوع إلى نوع ، حتى انتهى إلى ما هو عليه الآن؟ الجواب : نحن مع الدليل العلمي الذي لا يقبل الشك ، والاحتمال المضاد ، لأنه متى طرأ الاحتمال بطل الاستدلال ، وهذه حقيقة يقينية بديهية ، لا ينكرها حتى التجريبيون الذين حصروا مصدر المعرفة بالخبرة الحسية .. وأهم الأدلة التي اعتمدها أصحاب نظرية النشوء والارتقاء هي الحفريات ، حيث كشفت عن وجود أنواع من الحيوان بعضها أرقى من بعض ، وان زمن الأرقى متأخر عن زمن الأدنى ، وان بينها وبين الإنسان شبها في كثير من المزايا.
ونحن لا ننكر هذه الكشوف ، ولكنها لا تثبت نظرية دارون ، لأنها لا تحتم أن يكون الأرقى متطورا من الأدنى في يقين لا يقبل الشك ، بل لا يجوز ذلك ويجوز أن يكون كل من الأرقى والأدنى نوعا مستقلا بذاته عن الآخر أوجدته ظروف ملائمة له ، ثم انقرض حين تغيرت ظروفه ، كما انقرض غيره من أنواع الحيوان والنبات .. وإذا جاز الأمران ، فالأخذ بأحدهما دون الآخر تحكّم.
وقرأت فيما قرأت ان كثيرا من العلماء ، وفيهم الملحدون ، كانوا يؤمنون بالنظرية الداروينية ، ولما تقدموا في ميدان العلم عدلوا عنها ، لما ذكرنا ، ولأن في الإنسان خصائص عقلية وروحية تجعله مستقلا عن جميع المخلوقات وأنواعها.
(ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ). تقدم نظيره في الآية ٣٤ سورة البقرة ج ١ ص ٨٢.
(قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ). ولا هنا زائدة ، ويدل على زيادتها سقوطها من الآية ٧٥ من سورة ص : (قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) ولأن المعنى لا يستقيم مع وجودها اللهم إلا أن تكون