المعنى :
ذكر سبحانه في الآية ١٤١ من الأنعام ما تفضل به على عباده من الطعام ، فقال : (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ). وذكر تعالى في الآية التي نحن بصددها ما أنعم به على عباده من اللباس ، فقال : (يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً). الخطاب لجميع بني آدم ، وأنزلنا عليكم ، أي أعطيناكم ، قال تعالى : (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ). وقال : (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ) .. قد امتن سبحانه على عباده بما أنعم عليهم من اللباس على اختلاف أنواعه ، من الأدنى الذي يواري السوءة إلى الريش ، وهو ما كان فاخرا من اللباس والأثاث (وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ) وهو الخوف من الله والعمل الصالح ، وأطلق اللباس على التقوى ، لأنها تقي صاحبها من عذاب الله ، كما يقي اللباس من الحر والبرد ، قال تعالى : (وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ) ـ ٨١ النحل (ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) أي ان الله أعطاكم اللباس تفضلا منه لتعملوا بطاعته ، وتنتهوا عن معصيته.
(يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما). لا يفتننكم الشيطان أي لا تغفلوا عن فتنته وخداعه ، وينزع عنهما لباسهما ، أي كان الشيطان سببا لنزع اللباس عنهما ، وإظهار عورتيهما.
أشار سبحانه في الآية السابقة إلى عداوة الشيطان لآدم ، وكيف كاد له ، حتى أخرجه وزوجه من حياة الراحة والهناء إلى حياة التعب والعناء ، وفي هذه الآية حذر جل ذكره أبناء آدم أن يوقعهم الشيطان في شباكه وفتنته ، ويحملهم على معصية الله ، ليصدهم عن دخول الجنة ، كما خدع أبويهم من قبل ، وكان سببا لكشف عورتيهما ، وإخراجهما من الجنة .. وبديهة ان المنع من دخول الجنة أيسر من الإخراج منها بعد الدخول ، فان طرد المحتل أكثر صعوبة من صد من يحاول الاحتلال ، قال بعض الواعظين : ان ذنبا واحدا أخرج آدم من الجنة بعد أن دخلها آمنا ، فكيف يدخلها أبناؤه ، وقد تراكمت عليهم الذنوب.