أما الأول فلأن الضمير بظاهره يعود على الأقرب ، وأما الثاني فلوجود النسخ في القرآن.
ويجوز أن يكون الأمر بالصفح عنهم نزل بعد أن قوي الإسلام ، وأصبح في حصن حصين لا يضره كيد اليهود ولا غيرهم من الكافرين.
(وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ). بعد ان بيّن سبحانه حال اليهود من نقض الميثاق والتحريف بيّن حال النصارى وانهم واليهود سواء من هذه الجهة .. ولكن جل ثناؤه ذكر في الآية السابقة نوع الميثاق الذي نقضه اليهود ، ولم يذكر شيئا عن نوع الميثاق الذي أخذه على النصارى ، وغير بعيد ان الله سبحانه أطلق الكلام بالنسبة الى النصارى لوضوح الميثاق الذي أخذه منهم ، وهو التوحيد (فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ). والذي ذكروا به هو الإنجيل الذي أنزله الله على عيسى (ع) وينص صراحة على التوحيد ، وعلى نبوة محمد (ص) باسم أحمد ، فحرّفوه تماما كما حرّف اليهود التوراة.
ومن أقوى الأدلة على تحريف الإنجيل ان رؤساء الكنيسة وعلماء التاريخ في الأناجيل الأربعة التي اعتمدها النصارى في القرن الرابع «قد اختلفوا فيما بينهم فيمن كتب الأناجيل؟ ومتى كتبت؟ وبأية لغة؟ وكيف فقدت نسخها الأصلية؟ وهذه الخلافات موجودة بالتفصيل في «دائرة المعارف الفرنسية الكبرى». ذكر هذا وكثيرا غيره صاحب تفسير المنار.
(فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ). ولا شيء يقال في تفسير هذه الجملة خير مما قاله الشيخ أبو زهرة في كتاب «محاضرات في النصرانية». لذا ننقل عبارته بحروفها :
«لقد وقع بين الذين قالوا : إنا نصارى من الخلاف والشقاق والعداء في التاريخ القديم والحديث مصداق ما قصه سبحانه في كتابه الصادق الكريم ، فقد سال من دمائهم على أيدي بعضهم البعض ، ما لم يسل من حروبهم مع غيرهم في التاريخ كله ، سواء أكان ذلك بسبب الخلافات الدينية ، أو بسبب الخلافات على الرياسة الدينية ، أو بسبب الخلافات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وفي خلال القرون الطويلة لم تسكن هذه العداوات ، ولم تخمد هذه الحروب والجراحات ، وهي ماضية الى يوم القيامة ، كما قال أصدق القائلين».