وتسأل : كيف نسب سبحانه قسوة قلوبهم اليه؟ أليس معنى هذا انهم غير مسؤولين عن هذه القسوة ، لأنها من الله ، لا منهم؟.
الجواب : ان الله بيّن لهم طريق الخير ، وأمرهم به ، وبيّن طريق الشر ، ونهاهم عنه ، وأخذ منهم الميثاق على السمع والطاعة ، فأعطوه إياه ، ثم خانوا ونكثوا ، وأصروا على العصيان والتمرد ، فتركهم وشأنهم ، ولم يلجئهم إلى عمل الخير ، إذ لا تكليف مع الإلجاء ، ولأنه تعالى لم يلجئهم صح ان ينسب القسوة اليه ، ومن أراد زيادة في التوضيح فليرجع الى ما قلناه عند تفسير الآية ٨٨ من سورة النساء ، فقرة الإضلال من الله سلبي ، لا ايجابي.
(يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ). تقدم تفسيره في سورة النساء الآية ٤٥. (وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ). ذكّروا بالتوراة ، فحرفوا منها ما يتنافى مع أهوائهم ، وابقوا ما يشتهون. وإذ نقضوا ميثاق الله ، وحرّفوا كتابه الذي أنزله اليهم من السماء ـ فبالأولى أن ينقضوا ما يعطونه من مواثيق للعرب وغير العرب ، وان يحرفوا قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن.
(وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ). لم يكتف يهود الجزيرة العربية آنذاك بإنكار نبوة محمد (ص) ، حتى تآمروا عليه مع أعدائه ، وبيتوا له المكر والغدر ، فخاطبه الله بقوله : (لا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ). اي انك لاقيت ـ يا محمد ـ الكثير من اليهود ، وستلاقي أيضا الكثير منهم ، وان أحسنت اليهم ، لأن المحسن والمسيء عندهم سواء (إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) وهم الذين أسلموا وصدقوا في إسلامهم كعبد الله بن سلام ومن معه. ورغم ذلك كله فان الله أمر نبيه أن يقابل إساءتهم بالإحسان : (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
وتسأل : أبعد أن وصفهم سبحانه بأقبح الأوصاف ، وان الخير لا يرجى منهم بحال ، أبعد هذا يأمر نبيه بالصفح والعفو عنهم؟ وهل يعرف اليهود معنى الصفح والعفو؟ وهل يجوز الصفح عن الأفاعي والعقارب؟
وأجيب عنه بأجوبة منها ان ضمير عنهم يعود على القليل منهم الذين أسلموا وأخلصوا. ومنها ان هذه الآية منسوخة بآية السيف. وهذان الجوابان محتملان ،