المعنى :
(إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ). آيات الله تشمل الدلائل على وجوده ، ونبوة أنبيائه ، وكل ما جاء على ألسنتهم نقلا عن الله تعالى ، والتكذيب بآيات الله معروف ، وعطف الاستكبار عنها من باب عطف التفسير ، وقوله : (لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ) كناية عن رفض أعمالهم ، وانها لا تقبل منهم كما تقبل أعمال الصالحين ، قال تعالى : (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) ـ ١٠ فاطر.
(وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ). هذا تعليق على محال ، تماما كقوله تعالى : (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) ـ ٨١ الزخرف. ووجود ما علّق على المحال محال .. والعرب تضرب المثل لما لا يكون بقولهم : لا أفعله ، حتى يشيب الغراب ، وحتى يدخل الجمل في سم الخياط (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ) أي نجازيهم بالحرمان من الجنة.
ومع هذا الحرمان (لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ). المهاد الفراش ، والغواشي الأغطية ، والمعنى ان جهنم محيطة بالمجرمين من جميع الجهات.
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ). لما توعد العاصين بعذاب جهنم وعد المطيعين بنعيم الجنة ، يتمتعون به إلى ما لا نهاية ، وأشار بقوله : (لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) إلى أن الجنة على عظمتها يمكن الوصول اليها بغير مشقة وحرج ، وان من دخل جهنم انما دخلها لأنه سلك طريقها بإرادته واختياره.
(وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ). ولما ذا الغل؟ وقد كان في الدنيا غل وحسد ورياء وكذب ونفاق ، لأن فيها فقيرا وغنيا ، وظالما ومظلوما ، وخاملا وشهيرا ، ولا فقر في الجنة ولا ظلم ولا شهرة بعد أن وضع الله كلا في درجته التي يستحقها ، ومرتبته التي عمل لها .. ان كل واحد من أهل الجنة يشعر بالغبطة والسعادة لخلاصه من نار جهنم ، ولا ينظر إلى من فوقه إطلاقا : (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ).