ان الرياح تهب ، والشمس تبخر ماء البحار ، وترتفع الرياح بهذا البخار إلى العلو ، ثم تجذبه الأرض اليها ، فيتساقط عليها قطرات متراكبة ، كل ذلك وما اليه يأتي وفقا لسنن الطبيعة ، ما في ذلك ريب .. ولكن من هو الذي أوجد هذه الطبيعة ، وأودعها هذه السنن التي تسير على وتيرة واحدة مدى ملايين القرون ، لا تتغير ولا تتبدل؟. هل وجدت الطبيعة عفوا؟. وهل حكمتها القوانين والسنن من البداية الى النهاية صدفة ومن غير سبب؟. اذن ، فبالأولى أن يكون هذا الزعم جزافا ومن غير سبب؟. وكيف ينتج اللانظام نظاما ، واللاوعي وعيا؟.
وبالتالي ، هل لهذه التساؤلات جواب معقول ومقبول إلا وجود خالق قدير ، ومدبر حكيم؟ .. هو الذي أوجد الطبيعة ، وأودعها السنن والقوانين ، واليه ينتهي كل شيء ، ويفتقر كل شيء ، ولا يفتقر الى شيء.
فالرياح والمطر وحياة البلد الميت تنسب إلى سنن الطبيعة مباشرة ، وبالواسطة إلى خالق الطبيعة (كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ). يقول الجاحدون : كيف نؤمن بالبعث ، وما رأينا واحدا عادت اليه الحياة بعد موته؟ يقولون هذا ، وهم يرون رأي العين حياة الأرض بعد موتها ، ولكنهم ذهلوا ان السبب واحد ، وانه لا فرق إلا في الصورة ، فذكرهم الله بذلك لعلهم ينتفعون بالتذكير ، أو تلزمهم الحجة.
(وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً). بإذن ربه كناية عن عطاء الكثير بيسر وسهولة ، والنكد كناية عن عطاء القليل بعسر وصعوبة ، وأكثر المفسرين ، أو الكثير منهم على ان هذا تمثيل لقلب المؤمن والكافر ، والبر والفاجر بالأرض التي خلق الجميع منها ، ووجه الشبه ان الأرض كلها واحدة من حيث الجنس ، ولكن منها الطيبة إذا شربت الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ، ومنها القاسية المغلقة تصد وتنأى عن الخير والصلاح ، وإذا أتت بشيء منه فكالذي يساق الى الموت (كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ). ان الله يضرب هذه الأمثال وغيرها للجميع ، للخبيث والطيب ، ولكن الطيبين هم الذين ينتفعون بها ويشكرون الله عليها ، أما بالنسبة إلى الخبثاء فإنها حجة قاطعة لأعذارهم وعلاتهم.