المعنى :
بعد أن قال سبحانه في الآية ٣٥ من هذه السورة : (يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ) أشار في هذه الآيات وما بعدها الى قصة نوح وهود وصالح ولوط وشعيب ، وأوجز سبحانه قصة نوح هنا أشد الإيجاز ، حيث اكتفى بذكر الحوار بينه وبين قومه ، وإعراضهم عن دعوته ، وكيف عجبوا ان يختار الله رسولا منهم ، وانه سبحانه أغرق المكذبين ونجّى المؤمنين.
(لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ). قال الطبرسي في مجمع البيان : هو نوح ابن ملك بن متوشلخ بن أخنوخ النبي إدريس ، ونوح أول نبي بعد إدريس ، وقيل : انه كان نجارا ، وانه ولد في العام الذي مات فيه آدم .. ونحن لا نعلم لهذا القيل مصدرا.
(فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ). أوجز الرسالة التي حملها إلى قومه من الله ، أوجزها نوح بكلمة : وهي أن يعبدوا الله وحده ، لأنه لا إله سواه ، وان دعوته هذه اليهم إنما هي لإشفاقه عليهم من عذاب يوم القيامة.
(قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ). رموه بالضلالة والسفاهة لا لشيء إلا لأنه نهاهم عما ألفوه وورثوه من عبادة الأحجار .. وهكذا كل سفيه وضال يرمي بدائه من سار على طريق الهداية والرشاد.
(قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ). رد عليهم بنفي الضلالة عن نفسه ، ووصفها بأشرف الصفات ، وصفها بأنه رسول الله أرسله لينقذهم من الهلاك والضلالة ، وانه ناصح لهم وأمين ، وانه يعلم من الله وحدانيته وعدله ، ومن كانت له هذه الصفات فلا يكون ضالا.
(أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ). قال له قومه : ما أنت إلا بشر مثلنا ، ولو أراد الله أن يبعث رسولا لبعثه ملكا ، فرد عليهم بأنه لا عجب أن يرسل الله رجلا إلى قومه لا مصلحة له ولا هدف إلا أن يرشدهم إلى ما فيه خيرهم وصلاحهم ، وإنما العجب