(إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ) لأن نوحا كان يصنع الفلك ، حيث لا بحر ولا نهر ، وهذا العمل بظاهره جهل وضلال ، أما هود فلم يفعل شيئا من هذا النوع ، وانما سفّه قومه بعبادتهم الأصنام ، فقابلوه بالمثل ، ونسبوه الى السفاهة.
٣ ـ قال نوح لقومه : (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) وقال هود لقومه : (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) وأراد نوح بالرحمة دفع العذاب عنهم ، وأراد هود بالفلاح الهداية الى الصواب ، والمعنيان متشابكان لا ينفك أحدهما عن الآخر.
٤ ـ ان الله سبحانه ذكر في هذه الآيات أشياء قالها قوم هود لنبيهم ، ولم يذكر هنا جل ثناؤه أن قوم نوح قالوها لنبيهم ، وهي (قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا). عبارة مطروقة يجترها كل جاهل ومقلد (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) استعجلوا العذاب استعجال من يهزأ بالناصح الأمين .. وجاء الجواب من الرسول حاسما وسريعا (قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ) ومعنى وقع هنا وجب ، والمراد بالرجس العذاب ، وبالغضب السبب الموجب للعذاب.
(أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ). لا وجود للآلهة التي يعبدونها ، وكل ما لا وجود له لا أثر له ، ولا دليل عليه ، وعلى هذا يكون الاسم الذي وضع له كلاما فارغا بلا معنى (فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) هذا جواب قولهم : فائتنا بما تعدنا ان كنت من الصادقين.
(فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ) الدابر هو الآخر ، وقطع دابر القوم استأصلهم بالهلاك عن آخرهم .. وبيّن سبحانه نوع العذاب الذي أهلك به قوم هود في الآية ٦ وما بعدها من سورة الحاقة : (وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ ، سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ ، فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ).
ويأتي ان شاء الله مزيد بيان لحال هود ، مع قومه في السورة المسماة باسمه.