المعنى :
(وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ). نقل صاحب تفسير المنار عن كتب الأنساب العربية وسفر التكوين ان لوطا ابن أخي ابراهيم الخليل (ص) وانه ولد في اور الكلدانيين وهي في طرف الجانب الشرقي من جنوب العراق الغربي من ولاية البصرة ، وكانت تلك البقعة تسمى أرض بابل ، ثم سافر لوط مع عمه ابراهيم إلى ما بين النهرين ، وهو مكان تحيط به دجلة ، حيث كانت مملكة أشور ، ثم أسكنه ابراهيم في شرقي الأردن.
(ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ). يدل على ان قوم لوط أول من ابتدع هذا النوع من الفساد (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ). هذا تفسير للفاحشة ، وان المراد بها هنا اللواط المعبر عنه اليوم بالشذوذ الجنسي ، والفعل الشنيع (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ). قد تجاوزتم الحد في كل شيء ، حتى بلغتم إلى هذا الانحراف الذي يمجه الطبع ، وتأباه الفطرة ، ويخالف سنن الحياة.
(وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ). أجل ، ان الطهر والعفاف ذنب عند العاهر الفاجر ، والأمانة جريمة عند العميل الخائن .. أخرجوهم لأنهم يتطهرون .. وهكذا المجتمع القذر يرفض الأطهار والأبرار ، لا لشيء إلا لأنهم يتطهرون ، والعكس صحيح أيضا.
(فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ). المراد بأهله من آمن معه ، سواء أكان من أرحامه ، أو من غيرهم ، وغبر تأتي بمعنى مضى ، وبمعنى بقي ، وهذا المعنى هو المراد هنا ، أي ان امرأة لوط بقيت مع الهالكين ، ولم يصحبها معه حين سرى بأهله بقطع من الليل فرارا من العذاب ، لأنها كانت منافقة تتآمر على زوجها مع المشركين ، وقيل : ان اسمها واهلة .. وقال تعالى : (مِنَ الْغابِرِينَ) ، ولم يقل من الغابرات تغليبا للرجال على النساء ، لأن الذين أهلكهم الله كانوا من الفئتين.
وهكذا أصاب امرأة لوط من العذاب ما أصاب المشركين لأنها منهم ، ولم يجدها القرب من نبي الله والتصاقها به شيئا. وفي الحديث : المرء مع من أحب.