مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا). قدمنا ان شعيبا دعا المترفين الكافرين الى المسالمة والتعايش مع الذين أمنوا به ، وان يترك الخيار لمن يشاء أن يدخل في الدين الذي يشاء .. ولكن المترفين رفضوا دعوته ، وخيروه بين أمرين لا ثالث لهما : اما أن يخرج هو ومن آمن معه من بلدهم ، واما أن يعود الذين آمنوا به الى الكفر ، ويعود هو إلى موقفه السابق ـ قبل النبوة ـ لا مؤيد لدينهم ولا مفند ، وبكلمة ان قولهم : (أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) معناه أن يرجع الوضع الذي كان قبل النبوة إلى ما كان.
(قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ)؟. هذا هو منطق المنصف المخلص ، لا يحمل أحدا على ما يكره ، ولا يحب أن يحمله أحد على ما لا يريد ، ثم هل يكون الإيمان بالإكراه؟. وهل المؤمن حقا يؤثر الإقامة في الوطن على دينه وعقيدته؟.
(قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْها). طلب المشركون من شعيب (ع) أن يرتد عن الإيمان إلى الشرك ، فقال لهم : ان الارتداد افتراء على الله ، وعاقبة الافتراء عليه تعالى وبال وعذاب ، وقد أنجانا الله منه ، فكيف نفتري عليه؟ .. اما ان الارتداد افتراء على الله فواضح ، لأن معناه ان الشرك بالله خير وأبقى من الإيمان بوحدانيته (وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا). ضمير فيها يعود إلى ملة الكفر والشرك ، والتعليق هنا على مشيئة الله تعليق على المحال ، لأن الله لا يشاء الكفر والشرك ، فهو تماما كقوله تعالى : (وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ).
(وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) تقدم نظيره في الآية ٨٠ من سورة الأنعام. (عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا). ومن توكل عليه لا يخشى التهديد والوعيد ، لأنه على علم اليقين بأن المخلوق لا يضر ولا ينفع. (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ). بعد أن يئس شعيب منهم وتأكد من إصرارهم على الكفر التجأ إلى الله ، وتضرع اليه أن يحكم ويفصل بينه وبين من كفر من قومه ، لأنه تعالى هو مصدر القوة والعدل.