(وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ). ان هذا القول من الملأ لفرعون يدل على انه كان له آلهة يعبدها ، وهو يتنافى بظاهره مع قول فرعون : ما علمت لكم من إله غيري .. أنا ربكم الأعلى ، وأجاب المفسرون بأجوبة أرجحها انه كان لفرعون آلهة يزعم انه الابن الحبيب لها ، وانه يستمد منها حكمه وسلطانه ، فقوله : ما علمت لكم إلها غيري يريد به انه لا حاكم للمصريين باسم الإله والرب إلا هو وحده لا شريك له ، ويؤيد هذا المعنى قوله : (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي) ـ ٥١ الزخرف.
(قالَ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ). كان فرعون قبل ولادة موسى يقتل الذكور من نسل بني إسرائيل ، ويستبقي الإناث ، ولما حرضه الأشراف من قومه على موسى أجابهم بأنه سيعيد فيهم سيرته الأولى من قتل الأبناء واستبقاء النساء ، حتى ينقرضوا (وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ). أي انه قادر عليهم الآن كما كان قادرا عليهم من قبل موسى.
(قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ). لما سمع بنو إسرائيل تهديد فرعون ووعيده جزعوا فسكنهم موسى (ع) ، وأمرهم بالصبر والتوكل على الله ، ومناهم بالنصر إذا هم صبروا واتقوا ، لأن الأرض والملك لله لا لفرعون ، والله مع المتقين.
(قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا). كان فرعون يضطهد بني إسرائيل قبل مجيء موسى ، وأوغل في اضطهادهم بعد مجيئه ، ولما قالوا ذلك لموسى (قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ). ان موسى على علم اليقين انه سيهلك فرعون ، وانه سيمن على بني إسرائيل بالنجاة منه ، ويمكن لهم في الأرض ، وعبّر عن ذلك بالرجاء دون الجزم لئلا يتكلوا على وعده .. ثم أومأ موسى (ع) إلى قومه انه ليس المهم أن يهلك الله عدوهم ويستخلفهم في الأرض ، وانما المهم أن يتقوا الله ، ويحسنوا خلافته في أرضه ، فينظر أيصلحون أم يفسدون؟ .. وقد عملوا الكثير في الأرض ، حيث قتلوا الأنبياء والمصلحين من قبل ، وأقاموا دولة من بعد لا شريعة لها إلا شهوة القتل والتشريد.