يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ). يريد بالأعداء الذين عبدوا العجل ، لأنهم اتخذوا هرون عدوا ، وأرادوا قتله حين نهاهم عن الشرك وعبادة العجل ، فكأنه يقول لأخيه موسى : أتكون عليّ مع أعدائي وأعدائك ، فتأخذ برأسي ولحيتي أمامهم ليشمتوا بي؟. وكيف تغضب مني كغضبك منهم ، وأنا بريء منهم ومن أفعالهم ، ووقفت منهم موقف المعارض والمفند ، ولم أقصّر بما وجب عليّ من النصح والتحذير.
وهنا يلين موسى (ع) ، وتأخذه عاطفة الرحمة والأخوة (قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ). استغفر لنفسه لما كان من قسوته مع أخيه ، واستغفر لأخيه مخافة تقصيره في هدايتهم وردعهم عن الشرك والارتداد .. وليس من شك ان الله قد استجاب لدعوة موسى (ع) لأنه أرحم الراحمين ، ولعلمه بإخلاص موسى وهرون.
(إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ). وتسأل : تدل هذه الآية بظاهرها على ان الذين اتخذوا العجل قد غضب الله عليهم ، وأذلهم في الحياة الدنيا الى يوم يبعثون ، مع العلم بأنهم تابوا واستغفروا الله وسألوه الرحمة كما نصت الآية السابقة ١٤٩. والله سبحانه هو القائل : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) ـ ١١٩ النحل. اذن كيف لزم الغضب الأبدي واللعنة الدائمة من تاب عن عبادة العجل؟.
وأجاب البعض بأن الذين عبدوا العجل انقسموا بعد رجوع موسى اليهم إلى فرقتين : فرقة تابت توبة صحيحة ، وهؤلاء قد غفر الله لهم. وفرقة أصرت واستمرت على الشرك كالسامري وأشياعه ، وهؤلاء هم الذين غضب الله عليهم وأذلهم في الحياة الدنيا.
ويلاحظ بأنه لا شيء في الآية يدل على هذا التقسيم .. وأنسب الأجوبة ان الله قد علم ان اليهود لا يتوبون ولن يتوبوا أبدا عن الضلال واتباع الشهوات توبة خالصة ، لا ردة بعدها ، ويدل على هذه الحقيقة طبيعتهم وسيرتهم ، فإنهم كانوا وما زالوا لا يزدجرون من الله والضمير بزاجر ، ولا يرتدعون عن الضلال والفساد برادع إلا القوة وحدها.