وتقل فيه الحيلة؟. فما يصنع؟. هل يرجع وحده إلى بني إسرائيل؟. وبماذا يجيبهم إذا سألوه عن رجالهم؟. لا ملجأ أبدا من الله إلا اليه ، فتضرع إلى الله أن يكشف عنه ما هو فيه ، وتمنى لو أهلكه معهم من قبل أن يأتي بهم إلى هذا المكان .. ثم قال مخاطبا العلي الأعلى : (أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا) أي انك أجل وأعظم من أن تفعل ذلك ، لأنك حليم كريم.
(إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ). للفتنة معان ، منها الإضلال والإفساد ، ومنه (يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ) ـ ٢٦ الأعراف. ويقال : هذا مفتن أي مفسد. ومن معاني الفتنة القتال ، يقال : افتتن القوم أي تحاربوا وتقاتلوا. ومنها الابتلاء والاختبار (وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ). وتستعمل الفتنة كثيرا في العذاب ، ومنه الآية ٢٥ من الأنفال : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ).
وهذا المعنى أي العذاب هو المراد من الفتنة في قوله : (إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ) وضمير هي يعود الى الرجفة التي تقدم ذكرها صراحة ، ومعنى (تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ) ان الله يصيب بالرجفة التي هي العذاب من يشاء من عباده ، ومعنى (وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ) انه تعالى يصرف الرجفة عمن يشاء. والمعنى الجملي ان الله سبحانه ينزل العذاب بمن يشاء ممن يستحقه ، ويصرفه عمن يشاء ممن لا يستحقه .. وبهذا يتبين معنا ان قوله : (إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ) يرتبط معناه بما تقدم عليه ، وتأخر عنه من السياق ، وانه لا يجوز الاستدلال به على ان الإضلال من الله ، وكيف يضل الله الإنسان ، ثم يعاقبه على الضلال؟. وما الله يريد ظلما للعباد .. ان الشيطان هو العدو المضل ، وكفى بربك هاديا ونصيرا (١).
(أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ). ولا ترجمان لهذه المناجاة أفضل من قول سيد الشهداء الإمام الحسين بن علي (ع) حين أحاط به الألوف من كل جانب ، وهو وحيد فريد فلاذ إلى ربه ، وعاذ به من أعدائه قائلا :
__________________
(١). راجع فصل الهدى والضلال ج ١ ص ٧٠ من هذا التفسير الآية ٢٦ سورة البقرة.