الرمال ، هل يتذكر واحد فقط هذا الخطاب والعهد الذي أعطاه لله مشافهة؟. وان كان قد أنساه طول العهد ، فكيف يحتج الله عليه بشيء لا يتذكره .. هذا من جهة العقل ، أي بعض ما يدور في ذهن العاقل.
أما من جهة نص الآية فانه يدل على عكس عالم الذر الذي أخذ من صلب آدم الأول ، لأن الله سبحانه قال : (أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ) ولم يقل من آدم ، مع العلم ان ابن آدم يقال له : آدم ، ولا يقال لآدم الأول : ابن آدم .. وأيضا قال تعالى : (مِنْ ظُهُورِهِمْ) ولم يقل من ظهره. وقال : (ذُرِّيَّتَهُمْ) ولم يقل : ذريته .. هذا ، الى ان الله قال في الآية الثانية : انه فعل ذلك لئلا يحتج عليه أحد بشرك الآباء ، مع ان أول من أشرك لا مبرر لاحتجاجه بشرك أبيه ، لأن المفروض ان أباه لم يشرك .. وان دل هذا على شيء فانه يدل على ان العهد قد أخذ من كل واحد واحد مستقلا بعد وجوده حتما ، بل وبعد رشده وإدراكه.
ونحن لا نفهم معنى لهذا العهد المأخوذ من الإنسان لله تعالى الا الفطرة ، وغريزة الاستعداد التي أودعها الله في كل عاقل ، والتي بها ـ لو قصد التفهم والتدبر ـ يميز بين الهدى والضلال ، وبين الحق والباطل ، وبها يهتدي الى الإيمان بالله ودينه الحق .. وبكلمة ان على كل امرئ ان يتفكر في آيات الله ودلائله. واتفق المسلمون قولا واحدا على ان السنة النبوية تفسير وبيان للآيات القرآنية ، وقد ثبت بالتواتر قوله (ص) : كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه. وقوله : يقول الله اني خلقت عبادي حنفاء ، فجاءتهم الشياطين فاجتاحتهم عن دينهم.
(وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا). كل من السؤال والجواب قائم الى اليوم ، وإلى آخر يوم ، لأنهما بلسان الحال والواقع ، تماما كقوله تعالى : (فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) ـ ١١ فصلت. (أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ) أي مخافة أن تقولوا أو لئلا تقولوا : (إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ). هذا اشارة إلى التوحيد الذي دل عليه قوله : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى). لا تعليل ولا معذرة أبدا ، لا في هذه الحياة ولا