التي تقول للشيء كن فيكون ، وانما يعاملهم بمشيئة النصح والإرشاد التي يعبر عنها بأمره ونهيه ، ولهذا ترك للذي انسلخ من آيات الله ، ترك له الحرية والاختيار ، فاختار العاجلة على الآجلة (وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ). معنى الإخلاد اللزوم ، والمراد بالأرض هنا متاع الحياة الدنيا ، لأن الأرض مصدرها ، ومنها الطيبات والملذات ، والمعنى ان هذا المنسلخ المتجرد قد عصى مولاه ، وأطاع هواه ملازما له لا يفارقه أبدا ، قال الرازي : هذه الآية أشد الآيات على أصحاب العلم ، قال رسول الله (ص) : من ازداد علما ، ولم يزدد هدى لم يزدد من الله الا بعدا.
(فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ). الكلب الذي يلهث من العطش أو الاعياء يستمر في اللهاث زجرته أو تركته ، فانه لاهث على كل حال .. وكذلك من لزم هواه يستمر في ضلاله وعظته أو أغفلته فهو ضال على كل حال ذلك مثل الذين كذبوا بآياتنا. أي هذه هي صفة كل من أصر على المعصية .. أبدا ، لا ينتفع بآية ، ولا يصغي لموعظة ، وضرب الله مثلا للعاصي المصر بالكلب اللاهث اشارة إلى خسته وضعته.
(فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ). أي حدث يا محمد اليهود عن المكذبين من أسلافهم ، وما آل اليه أمرهم كأهل القرية التي كانت حاضرة البحر ، وهذا المنسلخ ليكون ذلك عبرة لهم ، ورادعا عن التكذيب بنبوتك.
(ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ). الكذب على الله ، والتكذيب بآيات الله كلاهما بدعة ، لأن الأول يثبت في الدين ما ليس منه ، والثاني ينفي عنه ما هو منه ، وهذه هي البدعة بالذات ، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ـ اذن ـ من ابتدع نقد ظلم نفسه ، حيث عرضها للعذاب والهلاك.
وتسأل : من يحرف الحق خوفا على نفسه من ظالم : هل يعد مبتدعا؟.
الجواب : أجل ، انه مبتدع يستحق الذم والعقاب ، ما في ذلك ريب ، لأن عليه أن يخاف من غضب الله لتحريف الحق ، لا من غضب الظالم للثبات على الحق .. أجل ، قد يسوغ للإنسان ترك العمل بالحق دفعا للضرر عن نفسه ، أما