ان من يخلق الله فيه الهداية فهو المهتدي ، ومن يخلق فيه الضلال فهو الضال .. كلا ، ان هذا المعنى تأباه الفطرة والبديهة .. لأن الله ليس بظلّام للعبيد ، وأيضا يأباه النص القرآني : (فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) ـ ١٠٨ يونس. وكيف يجمع الله تعالى بين وصفي العدالة والإضلال؟. ان الشيطان هو المضل : (قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ) ـ ١٥ القصص. (وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ).
والذي نراه ان المعنى المقصود من الآية ان المهتدي حقا هو من كان عند الله مهتديا ، ولو كان عند الناس ضالا .. وليس من شك ان الإنسان لا يكون من المهتدين في الميزان الإلهي إلا إذا آمن وعمل صالحا : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ) ـ ٩ يونس. (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) ـ ٦٩ العنكبوت. وكذلك الضال فإنه من كان ضالا في حساب الله ، لا في حساب الناس. وبكلمة ان الآية تحدد معنى كل من المهتدي والضال بأنه من كان كذلك عند الله ، تماما كما قال الإمام علي (ع) : الغنى والفقر بعد العرض على الله.
(وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ). ذرأنا خلقنا .. والله سبحانه لم يخلق ولن يخلق أحدا بقصد تعذيبه ، كيف؟. وهل يلتذ جلت عظمته بتعذيب المستضعفين الذين لا يستطيعون حيلة ، ولا يهتدون سبيلا؟. في بعض ما قرأت ان الامريكيين كانوا إذا أرادوا الترويح عن النفس جاءوا بأحد الملونين ، وتحلقوا حوله ، وأمطروه بوابل من رصاص مسدساتهم ، فيسقط على الأرض متخبطا بدمائه ، وهم يرسلون القهقهات عاليا .. والله لن يشوي البشر بناره إلا إذا تجنس بالجنسية الأمريكية أو الصهيونية .. تعالى الله عما يصفون.
ان الله سبحانه خلق الإنسان للعلم النافع ، والعمل الصالح ، وزوده بجميع المؤهلات لذلك ، وأعطاه العقل المميز بين الهدى والضلال ، وأرسل الرسل لايقاظه وإرشاده ، وترك له الخيار في سلوك الطريق الذي يشاء منهما ، لأن الحرية هي قوام حقيقة الإنسان ، ولو سلبها منه لكان هو والجماد سواء ، فان اختار طريق الهدى أدى به الى مرضاة الله وثوابه ، وان سلك طريق الضلال فمآله جهنم