أمرهم بغزو فلسطين ، وكان فيها الحيثيون والكنعانيون ، وأمرهم بالصبر والثبات في القتال ، وكان الله قد وعدهم السكنى بها في ذلك العهد. فقول موسى : «كتب الله لكم» اشارة الى هذا الوعد ، وليس معناه ان فلسطين ملك طلق لهم ، كما يزعم اليهود.
ولكن قوم موسى قالوا له جبنا وضعفا : (يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ). فهم يريدون نصرا رخيصا ومريحا ، لا يكلفهم قتيلا ولا جريحا ، تماما كإغراق عدوهم فرعون ... ولكن رجلين صالحين منهم قاما فيهم مرشدين يحثانهم على السمع والطاعة لله ولرسوله ، واليهما أشار سبحانه بقوله :
(قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا) ـ أي بالايمان ـ (ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ). أي اغزوا القوم في عقر دارهم ، فيذلوا وينكسروا ، على أن تكونوا متوكلين حقا على الله ، كما هو شأن المؤمنين المخلصين. ولكنهم عادوا الى جبلتهم من العناد والتمرد والقحة والصلافة.
و (قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ). أرأيت الى هذه الجرأة على الله ورسوله؟ .. الى هذه الوقاحة والصلافة : «اذهب أنت وربك» .. انه ربهم إذا خدم مصالحهم الشخصية ، ولم يكلفهم بما يزعجهم ، وقتل أعداءهم .. وهم (قاعدون) سالمون آمنون ، أما إذا انزعج خاطرهم بأدنى تكليف فهو رب موسى ، وليس بربهم .. ومعنى هذا في واقعه ان أهواءهم وشهواتهم وحدها هي ربهم وإلههم الذي يستحق منهم العبادة والتقديس بحمده.
والحق ان هذه الظاهرة لا تخص اليهود وحدهم ، بل تشمل كل من عبد الله على حرف .. وما أكثرهم في المسلمين والنصارى.
(قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي). هذا التوجه من موسى الى ربه يشعر بالشكوى من غربته بين قومه بعد الجهد الجهيد ، والعناء الطويل من أجلهم .. (إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي) ولا ملك ولا أمر لمن لا يطاع :