جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٩٠))
المعنى :
ليست الآيتان حكاية عن حادثة خاصة حصلت بين زوج وزوجته كما يوهم ظاهر اللفظ ، كلا ، وانما هما حكاية عن حال الإنسان بما هو مع صرف النظر عن أفراد معينين ، وتتلخص حكاية هذه الحال أو هذا التمثيل بأن الإنسان إذا نزل به ما يكره ، أو أراد الحصول على ما يحب التجأ الى الله يدعو ويتضرع ويقطع على نفسه العهود والمواثيق ان الله إذا حقق له ما يريد شكره وأطاعه ، فإذا آتاه الله ما أراد تولى معرضا عن عهوده ومواثيقه ، وبعد هذا التمهيد الذي ينبغي أن تفهم الآيتان على أساسه نشرع بايضاحهما :
(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها). الخطاب في خلقكم لجميع الناس ، والمعنى انكم جميعا أيها الناس من شيء واحد جنسا وطبيعة وعنصرا ، لا فرق إطلاقا بين شرقي وغربي ، ولا عربي وعجمي ، ولا بين اسود وأبيض ، ولا ذكر وأنثى .. ومسألة الذكر والأنثى تعم جميع الأجناس ، ولا تختص بجنس دون جنس ، قال عز من قائل : (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) ـ ٤٩ الذاريات ، والغرض من ذلك معروف هو حفظ النوع ، وبالاضافة الى هذا الغرض فان الله سبحانه قد خلق للإنسان زوجا من جنسه ليسكن كل منهما للآخر ويطمئن اليه ، وليكون بين الاثنين مودة ورحمة.
(فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ). تغشّاها قاربها ، وفي الفعل ضمير مستتر يعود الى الزوج وضمير ها الى الزوجة ، ومرت به أي استمرت بالحمل ، ولم تسقطه ، وأثقلت حان وقت الولادة ، وفي هذا الحين اتجه كل من الأب والأم الى الله سبحانه ، وتضرعا اليه ان يرزقهما ذكرا صالحا أي تام الخليقة والخلق ،