مر بي شيء مشكل في القرآن مثل هذا .. ولعل هناك محذوفا يصح به المعنى ما وقفت فيه لأحد المفسرين على طائل ، ثم قلت للرجل : ظهر لي الساعة ان ذاك المحذوف هو نصرك.
وما أردت بذكر ما حدث لهذا المفسر الجليل ان أمس من مكانته ، وانما أردت التدليل على ان العالم الفطن قد تسد أحيانا في وجهه نوافذ الفطنة ، فتلجئه الحيرة إلى التشبث بكل شيء .. حتى بالأحلام يفسر بها القرآن ، وهو في واقعه في فطرته على يقين من خطأه ، دون أن يلتفت الى هذا الواقع ، وهنا مكان الغرابة .. كيف يكون على يقين ، وهو غير ملتفت؟. ولكن هذا هو الواقع .. والدليل انه لو رأى من غيره ما ارتضاه لنفسه لأنكر عليه.
(يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ) جادل فريق من المؤمنين في لقاء النفير وقتاله ، مع ان هذا اللقاء والقتال حق وخير ، وآثروا العير لأنها أكثر أموالا ، وأقل رجالا .. وقوله تعالى : (بَعْدَ ما تَبَيَّنَ) يشير إلى أنهم جادلوا بعد أن أخبرهم النبي (ص) بالنصر (كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ) الى الموت وأسبابه عيانا ، وهذه صورة يرسمها القرآن لشدة خوفهم من قريش ، لأنها أقوى عدة ، وأكثر عددا.
وتسأل : ان المسلمين يقدسون البدريين ، ويرفعونهم إلى المكان الأعلى ، وها هو القرآن يدين بعضهم صراحة ، وانهم جادلوا النبي على رغم بيان الحق لهم ووضوحه عندهم لأن الوحي نزل به وأخبرهم عنه الرسول الأعظم (ص).
الجواب : ان هذا لا يحط من شأنهم ، ولا يمس من إيمانهم بالله ورسوله. إنهم بشر تهتز نفوسهم إذا رأوا الموت برغم إيمانها واطمئنانها ، هذا إلى انها غمامة صيف عرضت ، ثم تقشعت. ومضوا مع النبي ، وواجهوا الموت بعزم وثبات.
(وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ) : إما الانتصار في الحرب على قريش ، ولا عير ، وإما العير ، ولا انتصار (وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ) غير ذات الشوكة هي العير وأموالها ، وقد آثروها على القتال والجهاد في سبيل الله ، ولكن الله أراد الخير لهم وللإسلام بتحطيم الشرك والطغيان(وَيُرِيدُ