لما تأكد المسلمون ان القتال واقع لا محالة مع عدو أقوى عدة ، وأكثر عددا التجأوا الى الله يطلبون منه النجاة من هذه الشدة ، ولما علم الله منهم صدق النية والعزم أنبأهم جل ثناؤه بلسان نبيه (ص) انه قد استجاب دعاءهم ، وانه ينجدهم بألف ملك يأتي بعضهم إثر بعض. وتسأل : قال سبحانه هنا : ممدكم بألف مردفين ، وفي الآية ١٢٤ من آل عمران قال : يمدكم بثلاثة آلاف منزلين ، وفي الآية التي بعدها بلا فاصل قال : بخمسة آلاف مسوّمين. فما هو وجه الجمع بين الآيات الثلاث؟. وأجبنا عن هذا السؤال في ج ٢ ص ١٥٢.
(وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ). يقول جلت عظمته : ان الغرض من هذا الامداد ان تطمئنوا وتصبروا في قتال العدو ، لا أن تتكلوا على الملائكة ، بل عليكم أن تبذلوا كل جهد ، ولا تبقوا منه بقية ، أما النصر فلا يكون ولن يكون إلا بمشيئة الله ، لا بجهودكم ولا بامداد الملائكة. وتقدمت هذه الآية في سورة آل عمران رقم ١٢٦ ج ٢ ص ١٥٢.
ثم ذكر سبحانه ستة وجوه لنعمته على المسلمين.
١ ـ (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ). في يغشيكم ضمير يعود الى الله ، وكذلك ضمير منه .. خاف المسلمون من المشركين لكثرتهم ، فعالج خوفهم بالنوم ، وما استيقظوا منه إلا وأنفسهم تغمرها السكينة ، وكلنا يعلم بالتجربة ان النوم يخفف الكثير من وطأة الحزن والخوف ، قال الإمام علي (ع) : ما انقض النوم لعزائم اليوم. أي قد يعزم المرء على أمر فإذا نام وقام انحلت عزيمته.
٢ ـ (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ). بعد أن أخذ المسلمون قسطا من الراحة بالنوم وجدوا أنفسهم بحاجة الى الماء ، لأنهم لم يكونوا قد وصلوا الى بدر آنذاك ، فأنزل الله عليهم المطر فشربوا وتطهروا ، وهذه نعمة ثانية تأتي بعد النوم.
٣ ـ (وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ). كان الشيطان يوسوس للمسلمين ، ويخوفهم من المشركين ، وقد أذهب الله هذا التخويف الذي عبر عنه برجز الشيطان ، أذهبه بالنوم والامداد بالملائكة.