مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ). الا متحرفا لقتال أي تاركا موقفه إلى موقف أحكم وأصلح للقتال ، أو متحيزا إلى فئة أي منحازا إلى جماعة أخرى من المسلمين تقاتل العدو لأنهم بحاجة اليه ، أو هو بحاجة اليهم ، والمعنى اثبتوا أيها المسلمون لعدوكم في المعركة ، ولا تفروا منها الا أن تختاروا موقعا أحسن ، أو تدبروا خطة أحكم بانضمام بعضكم إلى بعض ، وان من فر من العدو بلا مبرر فقد استحق غضب الله ومأواه جهنم.
وقد أفتى الفقهاء بتحريم الفرار من الزحف إلا إذا كان عدد جيش العدو أكثر من ضعف عدد جيش المسلمين .. وفي رأينا ان الفقهاء لا يملكون هنا الفتوى بوجوب الثبات ، ولا بجواز الفرار ، وان الأمر في ذلك يجب أن يترك لتقدير القائد الأمين الخبير ، لأنه هو المسئول عن الحرب ، وليس الفقهاء ، فيجب أن يترك له تقدير وجوب الثبات أو الفرار ، فقد يرى الثبات مع زيادة عدد العدو ثلاثة أضعاف ، وقد يرى لزوم الفرار والانسحاب من المعركة مع زيادة عدد المسلمين أضعافا مضاعفة ، لأن الثبات عملية انتحارية ، وفي جميع الحالات يجب الأخذ بقوله ، لا بقول الفقهاء الدين يفتون ، وهم على الوسائد متكئون .. هذا ، إلى أن قول الفقهاء في الحروب قد ذهب بذهاب وقته الذي كانت تقاس فيه القوة بالكم لا بالكيف ، وبعدد الجيش لا بمعداته الجهنمية الحديثة.
(فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ). انتصر المسلمون ببدر على المشركين ، فقتلوا منهم من قتلوا ، وأسروا من أسروا ، وسبب هذا الانتصار ثبات المسلمين وصبرهم في القتال ، أما سبب هذا الثبات والصبر فهو ما أشارت اليه الآيات السابقة من ان الله ربط على قلوب المسلمين ، وثبت أقدامهم ، وأمدهم بالملائكة ، وأزال الرعب من قلوبهم وألقاه في قلوب المشركين .. وعلى هذا تصح نسبة قتل المشركين إلى المسلمين لأنه كان بأيديهم ، وبسبب ثباتهم وصبرهم ، وأيضا تصح نسبته إلى الله تعالى لأنه هو الذي مهد لهم لهذا الثبات والصبر بالاضافة إلى انه سبب الأسباب .. وفي رواية ان بعض المسلمين قال يوم بدر أنا قتلت فلانا. وقال آخر : وأنا قتلت فلانا. فأنزل الله سبحانه : فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم.
(وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى). أجل ، ان الله رمى ، ولكنه