اختار لرميته كف محمد (ص) الذي فضله على جميع خلقه ، وخصه برسالته التي عمت رحمتها جميع العالمين. وروي ان النبي أخذ يوم بدر قبضة من الحصى أو التراب ، ورمى بها المشركين ، وقال : شاهت الوجوه ، فأعقب ذلك هزيمتهم. وغير بعيد أن تكون هذه الرواية صحيحة ، وأيضا غير بعيد أن يكون المراد بالرمية تدبير الأمر وأحكامه ، ومهما يكن ، فان مشيئة الله هي سبب الأسباب ، بها وجد محمد (ص) والحصى والكون بما فيه ، فان أي سبب مباشر أو غير مباشر لأية حادثة من الحوادث فإنها تنتهي إلى قوة عليا وجدت من غير موجد ، وإلا كانت كلمة الوجود لفظا من غير معنى ، تماما كما لو قلت : لا أحد يعطي المال ، حتى يأخذه من غيره فان هذا تعبير ثان عن قولك : لا أحد يعطي المال على الإطلاق ، لأنك نفيت الأصل الذي يعطي ولا يأخذ ، وبانتفاء الأصل ينتفي الفرع.
(وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً). البلاء والابتلاء يستعملان بمعنى الاختبار ويكون الاختبار بالنعمة لإظهار الشكر ، وبالمحنة لإظهار الصبر ، وأيضا يستعمل كل من البلاء والابتلاء بالإعطاء ، وهذا المعنى هو المراد بالبلاء في الآية ، أما المراد بالحسن فهو النصر والغنيمة ، أي ان الله سبحانه أمر المسلمين بالثبات والصبر وعدم الفرار من الزحف ، ومهد لهم السبيل الى ذلك ليتم عليهم نعمته بالنصر والغنيمة (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ). فقد سمع استغاثة المسلمين واستجاب لهم لأنه علم منهم صدق النية وصحة العزم.
(ذلِكُمْ وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ). ولا نعمة أجل وأعظم من ضعف العدو ، وإبطال كيده وحيله (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ). الخطاب في أن تستفتحوا وان تنتهوا وان تعودوا وفي لكم وعنكم وفئتكم ، كل أولاء للمشركين بقرينة السياق واستقامة المعنى. وروي ان المشركين حين خرجوا من مكة إلى بدر أخذوا بأستار الكعبة ، فاستنصروا الله ، وقالوا : اللهم انصر أعلى الجندين ، وأكرم الفئتين. فأجابهم الله بقوله : ان تستفتحوا فقد جاءكم الفتح الخ. أي إن تستنصروا للأعلى والأهدى فقد استجاب الله ونصر