وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ). وإذا عطفنا على هذا النص الآية ٣٢ من آل عمران : (قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ) إذا عطفنا هذه الآية على تلك ، وجمعنا بينهما تشكل معنا هذا القياس المنطقي : لقد دعا الله والرسول إلى العمل من أجل الحياة ، وحكم سبحانه بكفر من أعرض وتولى عن هذه الدعوة. فالنتيجة الحتمية ان الذي لا يعمل من أجل الحياة فهو كافر (١).
وبهذا يتبين معنا ان الإسلام يسير مع الحياة جنبا الى جنب ، وان كل ما هو بعيد عن الحياة فما هو من الإسلام في شيء ، وان أي انسان ـ كائنا من كان ـ يدعو الى حياة لا استغلال فيها ولا ظلم ولا مشكلات فان دعوته هذه تلتقي مع دعوة الله والرسول ، سواء أراد ذلك ، أم لم يرد ، وان من يقف في طريق الحياة وتقدمها فهو عدو لله وللرسول ، وان قام الليل ، وصام النهار .. أما تلك الزمرة التي ظهرت في عصرنا ، وباعت دينها للصهيونية والاستعمار ، وتسترت باسم الدين ، اما هذه الزمرة العميلة فقد أشرنا اليها في ج ٢ ص ١٦٦ عند تفسير الآية ١٤٢ من سورة آل عمران.
(وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ). القلب محل الايمان والكفر ، والإخلاص والنفاق ، والحب والبغض ، وعنه تصدر الأعمال خيرها وشرها ، ولو لا القلب لم يكن الإنسان إنسانا ، وكفى به عظمة قوله تعالى : ما وسعتني أرضي ولا سمائي ، ووسعني قلب عبدي المؤمن ، وما من شك ان الذي يتسع لما ضاقت عنه السموات والأرضين فهو أعظم منها.
وتسأل ، كيف اتسع هذا العضو الصغير لمن ضاقت عنه السموات والأرضون ، ثم لما ذا خص تعالى قلب المؤمن دون قلب الكافر؟.
الجواب : ليس المراد بالسعة في هذا الحديث القدسي السعة المكانية ، لأن الله
__________________
(١). عند تفسير الآية ٤٧ من المائدة ذكرنا ان الكفر إذا أضيف الى العمل فالمراد به الفسق ، وان الفسق إذا أضيف الى العقيدة فالمراد به الكفر ، وعليه يكون المراد بكفر تارك العمل من أجل الحياة الكفر العملي ، لا الكفر العقائدي.