الاسلامية لأبي زهرة فصل بعنوان منهاجه وآراؤه رقم ١٠٤.
وقال الشيعة : العقل لا يجيز على الله أن يعاقب المطيع ، ويجيز عليه أن يتفضل على العاصي ، لأن العادل لا يعاقب من أطاع ، والكريم الحليم يسمح عمن أساء.
(كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ). أي ان ما أصاب المشركين يوم بدر من القتل والأسر لأنهم كذبوا محمدا (ص) ان ما أصاب هؤلاء يشبه ما أصاب المشركين السابقين من الهلاك ، لأنهم كذبوا أنبياءهم ، كآل فرعون ومن كان قبلهم.
(ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ). الظاهر من النعمة هنا الرزق ، ومن تغييرها سلبه وإزالته .. وهنا سؤال يفرض نفسه ، وهو ان ظاهر الآية يدل على ان القوم الذين أنعم الله عليهم بالرزق فانه يبقيه عليهم ما داموا مطيعين ، فإذا عصوا سلبهم إياه ، مع ان الذي نراه من عصاة كثيرين انهم كلما ازدادوا عصيانا ازدادوا ثراء ، أو لا يتغير عليهم شيء.
الجواب : ان الآية لم تصرح بلفظ المعصية ولا بلفظ الكفر ، وكل ما دلت عليه ان الله لا يزيل النعمة عن أهلها إلا إذا غيروا ما بأنفسهم ، ولكنه جل ثناؤه لم يبين نوع التغيير ، ومثلها الآية ١١ من سورة الرعد : (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ). وآل فرعون الذين مثل الله بهم في الآية السابقة كانوا مشركين من قبل ومن بعد ، أجل انهم ازدادوا طغيانا بعد أن جاءهم موسى (ع) بالبينات ، وعلى هذا يتعين حمل الآية التي نحن بصددها على معنى ان الله لا يهلك قوما في الدنيا إلا إذا أرسل اليهم رسولا ودعاهم الى الله مشافهة وجها لوجه ، فأعرضوا عن دعوته كآل فرعون ، ومن سبقهم من قوم نوح ولوط وغيرهم ، وإذا لم يرسل الله اليهم رسولا كذلك فانه يؤخر عقابهم الى يوم الحساب والجزاء .. أما آية الرعد فإن لنا رأيا في تفسيرها نبينه في حينه ان شاء الله.
(كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ). مر نظيره في سورة آل عمران الآية ١١ ج ٢ ص ١٧.