إلى الإيواء والنصرة ، فكان كل فريق من السابقين الأولين ، وقد وصفهم سبحانه بذلك في الآية ١٠٠ من سورة التوبة : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ).
٣ ـ (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا) هؤلاء آمنوا بالله ورسوله ، ولكنهم رفضوا الهجرة من دار الشرك إلى دار الإسلام ، مع ان القرآن أمرهم بها ، وحثهم عليها ، ولكنهم رفضوا تمسكا بأموالهم ، وخوفا على مصالحهم ، وسبق الكلام عن هؤلاء ، وعن حكم الهجرة في ج ٢ ص ٤١٨ وما بعدها عند تفسير الآية ٩٧ من النساء.
وقد بيّن سبحانه حكم الذين آمنوا ولم يهاجروا بقوله : (ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ). أي ان هؤلاء لا يعتبرون أعضاء في المجتمع الإسلامي ، ولا يثبت لهم شيء من حقوق المسلمين المقيمين في دار الإسلام ، لأنهم قد اختاروا حكم الشرك والمشركين على حكم الإسلام والمسلمين .. أجل ، إذا تركوا أرض الشرك إلى أرض الإسلام كان لهم حق الدفاع والنصرة ، وأيضا إذا اعتدى عليهم معتد من أجل دينهم وعقيدتهم ، وحاول أن يفتنهم عن الإسلام ، ويردهم إلى الشرك فعلى المهاجرين والأنصار أن يدافعوا عنهم ، ولا تجب نصرتهم في غير ذلك ، لأن رابطة الدين تحتم على كل واحد من أهله أن يدافع عن دين أخيه ، وإن كان فاسقا .. وبكلمة ان الدفاع عن عقيدة الفاسق دفاع عن الدين بالذات ، لا عن شخص الفاسق.
وكأنّ سائلا يسأل : إذا اعتدى معتد من الكافرين على مؤمن من الذين آمنوا ولم يهاجروا ، وكان بين الكافر المعتدي ، وبين المسلمين المقيمين في دار الإسلام عهد وميثاق في الأمان والمسالمة ، واستنصر المؤمن المعتدى عليه بمن في دار الإسلام من المسلمين ، إذا كان الأمر كذلك فهل تجب نصرة المعتدى عليه على المعاهد المعتدي؟.
فأجاب سبحانه بقوله : (إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ). أي ان النصرة لا تجب في مثل هذه الحال محافظة على الوفاء بالعهد والميثاق ، والإسلام وان كان عهدا وميثاقا أيضا ، ولكنه لا يجيز بحال الخيانة والغدر ، حتى بالكافر.