الظَّالِمُونَ). وقال في الآية ٤٧؟ (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ). ثلاثة أوصاف تواردت على موصوف واحد ، وقد اختلف المفسرون في التوجيه والتأويل ، ونضرب صفحا عن أقوالهم تجنبا للاطالة ، أما رأينا فنبديه فيما يلي :
ان الدين عقيدة وشريعة ، والعقيدة من صفات القلب ، ولها أصول ، وهي الايمان بالله وصفاته ، وكتبه ورسله وملائكته واليوم الآخر ، والشريعة أحكام عملية تتعلق بالأقوال والأفعال ، وإذا أطلق لفظ الكفر مجردا عن القرينة ، كما لو قيل : فلان كافر فهم منه انه يجحد أصول العقيدة كلا أو بعضا .. وإذا أطلق لفظ الفسق فهم منه انه مقر بالدين أصولا وفروعا ، ولكنه متهاون ، وتارك العمل بالفروع كلا أو بعضا.
هذا ، إذا أطلق كل من اللفظين ، دون أن يضاف إلى شيء ، أما إذا أضيف الفسق إلى العقيدة كقولنا : فلان فاسق العقيدة فيكون المراد بالفسق الكفر ، وقد جاء هذا الاستعمال في القرآن ، قال تعالى : (وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلَّا الْفاسِقُونَ) ـ ٩٩ البقرة». وإذا أضيف الكفر الى العمل ، لا الى العقيدة فالمراد منه الفسق ، قال تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) ـ ٩٧ آل عمران». فقد وصف سبحانه تارك الحج بالكفر ، مع انه مؤمن بجميع الأصول ، فيتعين ان المراد بالكفر الفسق.
أما لفظ الظلم فيجوز إطلاقه على الكفر وعلى الفسق ، لأن كلا من الكافر والفاسق قد ظلم نفسه ، حيث حملها من العذاب ما لا تطيق ، قال تعالى : (وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) ٢٥٤ ـ البقرة». وقال : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ) ـ ١٤٠ البقرة». وكتم الشهادة بوجه العموم لا يوجب الكفر باتفاق المسلمين.
وبهذا يتبين معنا ان الكفر والفسق والظلم ألفاظ كثيرا ما تتوارد في القرآن على معنى واحد ، وعليه يصح أن يوصف بها من لم يحكم بما أنزل الله ، والقصد التغليظ على من لم يحكم بالحق ، سواء أحكم بالباطل ، أو استنكف عن الحكم سلبا