الذاتية ، وما دام الهوى لا يتفق مع الإنسانية والمثل العليا فتكون ألفاظ القيم دجلا ونفاقا.
ونحن نؤمن بأن مصدر القيم هي المصلحة ، ولكنها المصلحة المنبثقة من طبيعة الإنسان بما هو إنسان ، لا بما هو طبقة من الطبقات ، وفئة من الفئات ، وليس من شك أن هذه المصلحة تتفق مع الإنسانية والمثل العليا ، بل هي هي ، ولذا سميت قيما إنسانية ، لا طبقية. وعليه يكون لها واقع ثابت بثبوت الإنسان نفسه .. ولا ينفي هذا استغلال من يستغلها ، وتحريف من يحرّفها حسب أهوائه ومصلحته ، وإلا لم يصح تقسيم الناس إلى محق ومبطل يحرّف الكلم عن مواضعه ، وإلى مخلص ومنافق يتستر بشعار الصالحين .. هذا ، إلى أنه ليس في تاريخ الإنسان مجتمع واحد قال للفرد : افعل ما شئت ، فإنك غير مسؤول عن شيء قتلت أو سرقت.
أجل ، هناك مذاهب شتى لتحديد القيم الأخلاقية لا يتسع المقام لذكرها .. والذي يهمنا أن نحددها كما هي في نظر الإسلام ، وقد انطلقت أقلام الغيورين تحدد القيم الاسلامية بأنها تهدف إلى تكوين الفرد الصالح في المجتمع الصالح .. وهذا التحديد يحتاج إلى تحديد ، لأن القارئ لا يفهم منه شيئا واضحا يلتزمه عند التطبيق والممارسة ، وتجنبا لهذا المحذور نمهد أولا بذكر بعض الأمثلة ، ثم نستخرج من دلالتها التحديد الواضح الذي يمكن ممارسته في الحياة اليومية.
أمر الإسلام بالصدق والوفاء والبذل والتواضع والصبر والعفو ، وما إلى ذلك ، ولكن قيد وجوبها بحد لا يصح تجاوزه بحال ، وهو أن لا يؤدي الالتزام بها إلى عكس الغرض المطلوب منها ، فالصدق واجب ، ما دام في مصلحة الإنسان ، فإذا تولد منه ضرر كإخبار العدو بالأسرار العسكرية ، أو نقل الكلام بقصد الفتنة كان محرما ، والكذب محرم إلا في حرب عدو الدين والوطن ، وفي الصلح بين اثنين ، وفي صيانة نفس بريئة ، ومال محرم ، والوفاء باليمين واجب ، ما دام الحالف لا يجد خيرا من يمينه ، وإلا تركها لحديث : «إذا وجدت خيرا من يمينك فدعها». وبذل المال في سبيل الله حسن إلا إذا احتاج اليه صاحبه ، والصبر راجح إلا على الظلم والعوز ، والعفو فضيلة إلا إذا كان سببا للفوضى ونشر الجرائم.