المنار : ان المراد من قوله تعالى (لا يَعْقِلُونَ) انهم لا يدركون حقيقة الإسلام ، ولو أدركوا حقيقته لم يتخذوه هزوا.
أما نحن فنرى انهم قد عقلوا الإسلام ، وأدركوا أهدافه ، وأن الذين حاربوه إنما حاربوه لأنهم أدركوا خطره على منافعهم وامتيازاتهم .. فلقد أدركوا ان الإسلام ثورة على الظلم والاستغلال ، وعلى الفقر والتخلف ، وعلى تقسيم الناس إلى سيد ومسود ، وانه لا فضل لمخلوق على غيره إلا بخدمة الناس ، والعمل لصالحهم ومنافعهم .. هذا هو ذنب الإسلام عندهم ، ومن أجله حاربوه بجميع ما يملكون من وسائل ، حتى الهزء والسخرية.
وتتجلى دعوة الإسلام هذه بأكمل معانيها في نداء المؤذن : الله أكبر .. لا إله إلا الله .. فإن معنى الله أكبر انه لا كبير ولا عظيم إلا هو وحده لا شريك له ، ومعنى لا إله إلا الله : ان المال والجاه والأنساب ليست آلهة تعبد ، ولا قوة يخضع لها ، وإنما الخضوع للحق وحده ، والناس فيه سواء ، وان ما من أحد على وجه الأرض له أن يمس حرية إنسان كائنا من كان .. وكفى بهذا ذنبا للإسلام عند ألد أعداء الإنسان ، ومن أجل عداوتهم هذه ، لا من أجل جهلهم بحقيقة الإسلام وصفهم العليم الحكيم بأنهم قوم لا يعقلون.
(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ). أجل ، انهم لا يرضون إلا عمن يؤمن بهم وبامتيازهم واستغلالهم .. ان هذا في مقاييسهم قدس الأقداس ، وان كفر بالله ، وجميع الأنبياء والمرسلين .. أما من يكفر بظلمهم وطغيانهم فإنه عندهم شر الأولين والآخرين ، وان كان ولي الأولياء .. ولا شيء أصدق في الدلالة على ذلك من أنهم يتهمون الوطنيين الأحرار منهم ، ويرمونهم بالمروق من الدين ، لا لشيء إلا لأنهم يستنكرون السياسة الاستعمارية ، والتفرقة العنصرية .. ومع هذه التهمة الظالمة يزعمون أنهم حماة الدين ، وحراسه من الإلحاد والملحدين.
وتسأل : ان قولك هذا هو الواقع الذي نراه ونشاهده ، ولكنه لا يصلح تفسيرا للآية ، لأن الظاهر منها انهم يعادون المسلمين لأنهم مسلمون يؤمنون بالله والقرآن والتوراة والإنجيل؟.