الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ). مرة ثانية نهى سبحانه عن اتخاذ أعداء الله أولياء ، ولكنه بيّن هنا سبب النهي ، وهو أنهم يتخذون من دين الإسلام ، وصلاة المسلمين مادة للهزء واللعب ، شأن السفيه العاجز عن مجابهة الحجة بمثلها ، ولا يليق بالعاقل أن يوالي السفهاء ، بخاصة الذين يهزءون من دينه وأشرف مقدساته .. وأيضا زاد سبحانه في هذه الآية انه عطف الكفار على أهل الكتاب ، وهو من باب عطف العام على الخاص ، والقرآن يعطف العام على الخاص كهذه الآية ، والخاص على العام كقوله : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) ـ ٢٣٨ البقرة». ويعطف النظير على نظيره كقوله : (فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ) ـ ١٧٥ النساء».
(وَاتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ). فيه إشعار بأن من يوالي ويؤاخي من يهزأ بالدين فهو أبعد الناس عن الإيمان ، لأن شبيه الشيء منجذب اليه.
(وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً). تدعو كنائس النصارى أتباعها إلى الصلاة بضرب الناقوس ، وتدعو بيع اليهود أتباعها إلى الصلاة بالنفخ بالبوق ، أما المسلمون فيدعون إلى الصلاة بصوت المؤذن ينادي بالاستجابة إلى الله وحده لا شريك له ، وإلى العمل الصالح الفالح : الله أكبر .. لا إله إلا الله .. حي على الفلاح .. حي على خير العمل .. وكان بعض أهل الكتاب ، وما زالوا يسخرون من هذا الأذان ، وهذه الدعوة .. والأولى أن يسخروا من نواقيسهم وأبواقهم .. على أن المعتدلين من النصارى يستحسنون الأذان ، وبفضلونه على ضرب الأجراس ، قال صاحب المنار :
«سمعنا من بعض النصارى المعتدلين في بلدنا ـ أي لبنان ـ كلمات الثناء على الأذان وتفضيله على الأجراس .. وقد كان جماعة من نصارى طرابلس يصطافون في بلدنا (القلمون) ، فكان النساء والرجال يقفون في النوافذ لاستماع صوت المؤذن ، وكان ندي الصوت .. وكان بعض صبيانهم يحفظون الأذان ، ويقلدون المؤذن تقليد استحسان ، فتغضب والدته وتنهاه ، أما والده فكان يضحك ويسر لأذان ولده ، لأنه كان على حرية وسعة صدر».
(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ). قال المفسرون بما فيهم الرازي وصاحب