وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ).إقامة التوراة والإنجيل العمل بهما ، والمراد بما أنزل اليهم التعاليم التي كانوا يسمعونها من الأنبياء ، وهي المعروفة عند المسلمين بالأحاديث النبوية ، ومن فوقهم ومن تحت أرجلهم كناية عن السعة في الرزق ، تماما كما تقول : فلان غارق في النعم من قرنه إلى قدمه.
وفي معنى هذه الآية آيات كثيرة ، منها الآية ٩٥ من الاعراف : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ). والآية ١٢ الرعد : (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ). والآية ٤١ الروم : (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ). والآية ٣٠ الشورى : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ). وترشدنا هذه الآيات إلى أمرين :
١ ـ ان ظهور الفساد ، ومنه الفقر والمرض والجهل ، إنما هو من حكم الأرض ، لا من حكم السماء ، ومن أيدي الناس الذين أماتوا الحق ، وأحيوا الباطل ، لا من قضاء الله وقدره ، وان أية جماعة عرفوا الحق ، وعملوا به عاشوا في سعادة وهناء.
٢ ـ ان التعبير في الآيات الكريمة بقوم وبالناس يدل على ان الشقاء يستند إلى فساد الأوضاع ، وان مجرد صلاح فرد من الأفراد لا يجدي شيئا ما دام بين قوم فاسدين ، بل يجر صلاحه عليه البلاء والشقاء ، قال تعالى : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) ـ ٢٥ الأنفال» ، أي ان الآثار السيئة لمجتمع سيء تعم جميع أفراده الصالح والطالح .. وليس من شك ان الشعب الكسول الخانع الخاضع للعسف والجور لا بد أن يعيش أفراده في الذل والهوان. وعلى هذا يكون المراد بالإيمان الموجب للرزق هو الإيمان بالله مع العمل بجميع أحكامه ومبادئه ، لا إقامة الصلاة فقط ، بل وأداء الزكاة ، وجهاد المستقلين والمحتكرين ، وإقامة العدل في كل شيء ، وليس من شك ان العدل متى عم وساد صلحت الأوضاع ، وذهب الفقر والشقاء ، وهذا ما يهدف اليه القرآن.
لقد كشف الإسلام عن الصلة الوثيقة بين فساد الأوضاع ، وبين التخلف وآلام الانسانية بشتى أنواعها ، وسبق إلى معرفة هذه الحقيقة كل عالم من علماء الاجتماع ، وكل قائد من قادة الاشتراكية والديمقراطية وغيرها .. وإذا كان لدى