الجواب : إن قوله تعالى : (فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) يشعر بأن هذا الأمر الذي تريث النبي (ص) في تبليغه خوفا من الناس قد بلغ من الأهمية حدا يوازي تبليغه تبليغ الرسالة كلها ، بحيث إذا ترك تبليغه فكأنما ترك تبليغ جميع الأحكام ، تماما كما تقول لمن كان قد أحسن اليك : إذا لم تفعل هذا فما أنت بمحسن إليّ إطلاقا ، وعليه يكون المعنى إن لم تبلغ هذا الأمر فكأنك لم تؤد شيئا من رسالتي ، وجازيتك جزاء من كتم جميع أحكامها.
سؤال ثان : ما هو هذا الأمر الذي بلغ من العظمة هذا المبلغ ، حتى أناط الله تبليغ الرسالة جميعا بتبليغه ، وجعل الرسول يتوقف أو يتربث في تبليغه ، وهو الحريص على أن يصدع بأمر الله مهما كانت النتائج؟
الجواب : بعد أن اتفق المفسرون الشيعة منهم والسنة على تفسير الآية بالمعنى الذي ذكرناه ، بعد أن اتفقوا على هذا اختلفوا في تعيين هذا الأمر الذي تريث النبي (ص) في تبليغه ، والذي لم يذكره الله صراحة.
قال الشيعة : إن هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب ، وان هذا الأمر الهام هو ولايته على الناس ، وان النبي (ص) تريث في التبليغ لا خوفا على نفسه ، كلا ، فلقد جابه صناديد قريش بما هو أعظم ، فسفه أحلامهم ، وسب آلهتهم ، وعاب أمواتهم ، وهم الأشداء الأقوياء ، وأهل العصبية الجاهلية .. أقدم النبي على هذا ، ولم يخش فيه لومة لائم يوم لا حول للإسلام ولا طول ، فكيف يخشى من تبليغ حكم من الأحكام بعد أن أصبح في حصن حصين من جيش الإسلام ومناعته؟ وإنما خاف النبي (ص) إذا نص على علي بالخلافة أن يتهم بالمحاباة والتحيز لصهره وابن عمه ، وأن يتخذ المنافقون والكافرون من هذا النص مادة للدعاية ضد النبي (ص) والتشكيك في نبوته وعصمته .. وبديهة ان مثل هذه الدعاية يتقبلها البسطاء والسذج.
هذا ملخص ما قاله الشيعة ، واستدلوا عليه بأحاديث رواها السنة في ذلك ، ونقل بعضها الرازي وصاحب تفسير المنار.
أما السنة فقد اختلفوا فيما بينهم ، فمن قائل : إن النبي سكت عن بعض الأحكام التي تتعلق باليهود ، ومن قائل : إن الحكم الذي سكت النبي عنه يتصل