[كيفية اتصافه تعالى بالارادة]
قال : البحث الثالث ـ في أنه تعالى مريد لذاته : ذهب الجبائيان الى أنه تعالى مريد بإرادة محدثة لا في محل. وذهب الاشعرية الى أنه مريد بإرادة قديمة قائمة بذاته.
والقولان باطلان : أما الاول فلان قيام إرادة بذاتها غير معقول ، ولان حدوثها يستدعي إرادة أخرى ويتسلسل. وأما الثاني فلما تقدم من نفي المعاني ، ولا يلزم من كونه تعالى مريدا لذاته كونه مريدا للمتناقضين ، لجواز تعلق ارادته ببعض المرادات لذاتها.
أقول : اختلف المتكلمون في كيفية اتصافه تعالى بالارادة ، فذهب الجبائيان وأتباعهما الى أنه مريد بإرادة محدثة لا في محل. وذهبت الاشاعرة الى أنه مريد بإرادة قديمة قائمة بذاته.
احتج الجبائيان ، بانه لا جائز أن يكون مريدا لذاته ، والا لكان مريدا لجميع الاشياء ، لان نسبة ذاته الى الجميع بالسوية ، فيلزم أن يكون مريدا للمتناقضات واذا تعلقت ارادته تعالى بشيء وجب وقوعه ، فيجتمع النقيضان ، هذا خلف. ولا جائز أن يكون مريدا بإرادة قديمة ، والا لزم قدم المراد ، وأيضا لا قديم سواه فبقي أن يكون مريدا بإرادة محدثة ، فلا جائز أن تكون قائمة بذاته ، لاستحالة كونه محلا للحوادث ولا بغيره ، والا لزم رجوع حكمها الى الغير ، لوجوب رجوع حكم العرض الى محله ، فبقي أن تكون قائمة بذاتها ، وهو المطلوب.
واحتج الاشاعرة : بأنه ليس مريدا لذاته لما تقدم ، ولا بإرادة محدثة قائمة به أو بغيره لما تقدم أيضا ، ولا في محل لعدم تعقله ، فبقي أن يكون مريدا بإرادة قديمة ، وذلك هو المطلوب.