واختلف فى كيفية وصول هذه الروائح الى القوة الشامة ، فقال بعضهم : يتحلل شيء من أجزاء ذي الرائحة ، ثم يخالط الهواء المنتقل الى القوة الشامة كما في التبخير.
وفيه نظر : اذ لو كان بالتحلل لزم من ذلك عدم الجسم عند تواتر ادراكه لانتقال أجزائه المخالطة للهواء.
وقيل : بانفعال الهواء المتوسط بين ذي الرائحة والخيشوم بكيفية ذي الرائحة ، كما في المسك وغيره ، فان الهواء المحيط به يتكيف برائحته ، للطف الهواء وسرعة انفعاله عن الملاقي له ، ثم يتكيف به هواء آخر ، لمجاورته (١) له وهكذا ، وكذا الكلام فى التبخير. لكن تحلل الاجزاء سبب فى هذا التكيف لا أن الاجزاء يتحلل وينتقل ، للزوم ما ذكرناه من الفساد.
[تعريف الحرارة والبرودة]
قال : الخامس ـ الحرارة والبرودة : وهما كيفيتان ملموستان متضادتان :
فالحرارة كيفية تقتضي جمع المتجانسان وتفريق المختلفات ، وهي جنس لانواع كثيرة ، كحرارة النار ، وحرارة الشمس ، وحرارة الغريزية ، وحرارة الادوية ، والحادثة عن الحمى.
ومن جعل البرودة عدم الحرارة عما من شأنه أن يكون حارا فقد أخطأ ، فانا نحس من الجسم البارد بكيفية زائدة على عدم الحرارة.
أقول : هما من أظهر المحسوسات وأبينها ، فلا يفترقان الى تعريف لما عرفت ، اذ الحاصل بالحس أظهر من الحاصل بالتعريف.
__________________
(١) فى «ن» : بمجاورته.