وفي هذا الدليل نظر : أما أولا فلانا نختار كونه مساويا ، قلتم : يفتقر الى مخصص ، قلنا : ممنوع ، لجواز أن يكون المقتضي لحصوله فيه ذاته تعالى بالاختيار ، وحينئذ لا يفتقر الى مخصص آخر يزيد على ذلك ، كما قالوا في اختيار أحد المتساويين على الاخر.
وأما ثانيا فلانا نمنع عدم الامتياز في العدمات ، فان عدم الشرط وعدم العلة يمتاز كل واحد منهما عن غيره من العدمات ، لاقتضائهما عدم المشروط وعدم المعلول دون غيرهما. والاقوى الاعتماد على الاول.
[رد أدلة الكرامية والمشبهة]
قال : والظواهر السمعية الدالة على خلاف ذلك متأولة ، لان النقل والعقل اذا تقابلا لم يمكن اهمالهما ولا العمل بهما ، ولا العمل بالنقل واهمال العقل ، لان ترك الاصل لاجل الفرع يقتضي بطلانهما معا ، والعقل أصل للنقل ، فلم يبق الا العمل بالعقل وتأويل النقل.
أقول : هذه اشارة الى ما يحتج به الكرامية والمشبهة على مدعاهما وتقريره : أن النقل القرآني دل على كونه في المكان والجهة ، فيكون كذلك. أما المقدمة الاولى فلقوله تعالى (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) (١) و (يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) (٢) (يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ) (٣) (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) (٤) (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ) (٥) الى غير ذلك
__________________
(١) سورة طه : ٥.
(٢) سورة الفتح : ١٠.
(٣) سورة النحل : ٥٠.
(٤) سورة فاطر : ١٠.
(٥) سورة المعارج : ٤.