الحاجة الى المكان ، وهما باطلان.
أقول : من صفاته السلبية كونه ليس في مكان ، خلافا للمشبهة.
واعلم أن نفي الجسمية عنه مستلزم لنفي الجهة والمكان ، لانهما لا يعقلان الّا للاجسام ، فلا وجه لاعادة البحث فيهما ، لكن ذكر عن بعض المتكلمين تجويز كون المجرد في جهة ومكان ، فاستدعى ذلك ايرادهما.
اذا عرفت هذا فنقول : يدل على نفي المكان عنه تعالى وجهان :
الاول : لو كان تعالى في مكان لكان مفتقرا إليه ، واللازم باطل فالملزوم مثله ، بيان الملازمة : أن كل ما هو في المكان فانه لا ينفك عن حجم وشكل ومقدار ، وكلما كان كذلك استحال انفكاكه عن المكان ، فيكون مفتقرا الى المكان. وأما بطلان اللازم فلان المكان غيره ، وكل مفتقر الى الغير ممكن ، فلو كان في المكان لكان ممكنا ، هذا خلف (١).
الثاني : لو كان تعالى في مكان لكان مكانه : اما مساويا لسائر الامكنة أو مخالفا لها ، والقسمان باطلان :
أما الاول فلانه يستدعي مخصصا يخصصه بذلك المكان دون غيره ، فيلزم أن يكون محدثا ، لان كلما هو فعل المختار فهو محدث ، فيكون كونه في المكان محدثا ، هذا خلف.
وأما الثاني فلانه اذا كان مخالفا يجب أن يكون موجودا ، لاستحالة الامتياز في العدمات ، وحينئذ اما أن يكون قديما أو حادثا ، فان كان قديما لزم تعدّد القدماء ، وان كان حادثا فاما أن يمكن وجود الباري تعالى بدونه أولا ، فان أمكن كان احتياجه إليه تعالى حادثا ، لان الباري قديم والمكان ليس بقديم ، فليس في الازل مكان ، فكان مستغنيا ، فمع وجود المكان حدثت الحاجة ، والاحتياج صفة له ، فيكون محلا للحوادث ، وان لم يمكن يكون تعالى حادثا ، هذا خلف.
__________________
(١) الخلف لغة : القول الردى ، وعند المنطقيين هو اثبات الشيء بابطال نقيضه «منه».