يخير الاعرابي بين الاسلام والقتل ، وهو محض الالجاء ، ولا يمكن أن يقال هنا أنه يجوز عدم الشعور.
قلنا : لا شك أن هذه الصورة الجزئية الجاء وهو حسن لا مطلقا ، بل في ابتداء التكليف ، لاشتماله على مصلحة لا تحصل بدونه ، وهو وقوف المكلف على أدلة الحق ومحاسن الاسلام ، فيكون ذلك داعيا له الى دخوله في الايمان مختارا اذ لو لم يدخل في الاسلام ولم يعاشر المسلمين لا لأمكن أن لا يسمع أدلة الحق ، فيبقى على كفره ، فحسن الالجاء حينئذ لاشتماله على هذه المصلحة لا مطلقا ، وهو لطف من الشارع في حق الكافر. ولما كان ذلك الاسلام معه الجاء لم يستحق به ثوابا ، ولهذا قال تعالى (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) (١) اذ الثواب مشروط بالايمان المستند الى العرفان.
[تحقيق حول اثبات المعاد البدنى ونقض أدلة المخالف]
قال : البحث السادس ـ في اثبات المعاد البدني : والخلاف فيه مع الفلاسفة.
اعلم أن صحة المعاد البدني يتوقف على أمرين : أحدهما : أنه تعالى قادر على كل مقدور. والثاني : أنه تعالى عالم بكل معلوم ، ولهذا كان الكتاب العزيز قد اشتمل على اثبات المعاد البدني في عدة مواضع ، وكل موضع حكم فيه باثباته قررها بين هاتين المقدمتين.
أما افتقاره الى القدرة فظاهر ، اذ الفعل الاختياري انما يصح بها.
وأما افتقاره الى العلم ، فلان الابدان اذا تفرقت وأراد الله تعالى جمعها وجب أن يرد كل جزء الى صاحبه ، وانما يتم ذلك بعلمه تعالى بالاجزاء وتناسبها بحيث لا يؤلف جزءا من بدن زيد مع جزء من بدن عمرو. وكذا ان جوزنا
__________________
(١) سورة الحجرات : ١٤.