اعادة المعدوم وقلنا أنه تعالى يعدم العالم بجملته.
وأما امكان الاعادة بعد هاتين المقدمتين فظاهر ، لان جميع الاجزاء بعد تفريقها لا شك في امكانه ، كالابتداء ، وكذا ان جوزنا اعادة المعدوم.
وأما الوقوع : فيدل عليه السمع ، فانا نعلم من دين محمد (صلىاللهعليهوآله) وقوع المعاد البدني ولا ناقد بينا أنه تعالى حكيم يوصل كل مستحق الى مستحقه ، ولا بد من الاعادة.
احتجوا : بأن الاعادة ان وقعت في هذا العالم لزم التداخل ، وان وقعت في عالم آخر لزم الخلاء. ولان الانسان لو أكل مثله ، فان أعيد المأكول الى بدن الاول ضاع الثاني ، وبالعكس.
والجواب عن الاول : أن التداخل انما يلزم لو بقي هذا العالم وكان ملاء ، أما على تقدير عدمه أو ثبوت الخلاء فلا.
وعن الثاني : أن المأكول بالنسبة الى الاكل ليس من أجزائه الاصلية ، فيعاد الى الثاني ولا يضيع أحدهما.
اذا ثبت هذا فاعلم أنه يجب عقلا اعادة من يستحق ثوابا عوضا على الله تعالى أو على غيره ، لوجوب الانتصاف ممن يستحق عليه العوض. وسمعا اعادة الكفار وأطفال المؤمنين. ومن عدا هؤلاء لا يجب اعادته.
أقول : لما فرغ من الامور التي هي كالمقدمات لثبوت المعاد ، شرع في بيانه (١) واختلف فيه : فانكره الدهرية والطبيعيون ، وأثبته معظم الحكماء والمليون ، لكن اختلفوا في ماهيته :
فعند الفلاسفة القائلين بتجرد النفس كافلاطون وأرسطو وأتباعهم كأبي نصر الفارابي وابن سينا أنه نفساني لا غير ، وان كان ابن سينا في الشفاء جوز البدني ،
__________________
(١) فى «ن» : اثباته.