وهو ابن ثلاثين سنة ، وأنّه أقام فيهم يدعوهم إلى الله تعالى ، فلم يؤمن (١) إلّا رجلان :
أحدهما : روبيل ، وكان من أهل بيت العلم والحلم ، وكان قديم الصحبة ليونس عليهالسلام قبل أن يبعثه الله بالنبوّة ، وكان صاحب غنم يرعاها ويتقوّت منها.
والثاني : تنوخا ؛ رجل عابد زاهد ، ليس له علم ولا حكمة ، وكان يحتطب ويأكل من كسبه ، فلمّا رأى يونس أنّ قومه لا يجيبونه (٢) ، وخاف أن يقتلوه ، شكى ذلك إلى ربّه تعالى جلّ ذكره. فأوحى الله تعالى إليه : أنّ فيهم الحبلى والجنين والطفل الصغير والشيخ الكبير والمرأة الضعيفة ، أحبّ أن أرفق بهم وأنتظر توبتهم ، كهيئة الطبيب المداوي العالم بمداواة الداء ، فإنّي أنزل العذاب يوم الأربعاء في وسط شوّال بعد طلوع الشمس.
فأخبر يونس عليهالسلام تنوخا العابد وروبيل ليعلماهم ، فقال تنوخا : دعهم في غمرتهم حتّى يعذّبهم الله ، وقال روبيل : أرى لكم ان تعزلوا الأطفال عن الأمّهات في أسفل الجبل في طريق الأودية ، فإذا رأيتم ريحا صفراء أقبلت من المشرق ، فعجّوا بالصراخ والتوبة إلى الله تعالى جلّت قدرته بالاستغفار ، وارفعوا رؤوسكم إلى السماء ، وقولوا : ربّنا ظلمنا أنفسنا فاقبل توبتنا.
ولا تملّوا التضرّع إلى الله جلّت عظمته والبكاء حتّى تتوارى الشمس بالحجاب ويكشف الله عنكم العذاب ، ففعلوا ذلك فتاب عليهم ، ولم يكن الله اشترط على يونس أنّه يهلكهم بالعذاب إذا أنزله.
فأوحى الله جلّ جلاله إلى إسرافيل : أن اصرف عنهم ما قد نزل بهم من العذاب ، فهبط إسرافيل عليهم ، فنشر أجنحته فاستاق (٣) بها العذاب حتّى ضرب
__________________
(١) في البحار زيادة : (به).
(٢) في «ر» «س» : (لا يحبّونه).
(٣) في «م» : (فاستلقى) ، وفي «ر» «س» «ص» : (فاستلق) ، والمثبت عن البحار ، ومعناه : دفع بأجنحته العذاب إلى الخلف عكس جرّه بها ، واستاق الماشية : حثّها على السير من خلف عكس قادها.