فقال : دعوني أسمع كلامه ، فدنا من رسول الله صلىاللهعليهوآله وهو جالس في الحجر ، فقال : يا محمّد ، أنشدني شعرك ، فقال : ما هو بشعر ، ولكنّه كلام الله الذي بعث أنبياءه ورسله.
فقال : اتل ، فقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم ، فلمّا سمع «الرحمن» استهزأ منه ، وقال : تدعو إلى رجل باليمامة باسم الرحمن؟ قال : لا ولكنّي أدعو إلى الله وهو الرحمن الرحيم.
ثمّ افتتح حم السجدة ، فلمّا بلغ إلى قوله : (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ)(١) وسمعه اقشعرّ جلده ، وقامت كلّ شعرة في بدنه ، وقام ومشى إلى بيته ، ولم يرجع إلى قريش ، فقالوا : صبا أبو عبد الشمس إلى دين محمّد.
فاغتمّت قريش وغدا عليه أبو جهل ، فقال : فضحتنا يا عمّ ، قال : يابن أخي ، ما ذاك وإنّي على دين قومي ، ولكنّي سمعت كلاما صعبا تقشعرّ منه الجلود ، قال : أفشعر هو؟ قال : ما هو بشعر ، قال : فخطب؟ قال : لا إنّ الخطب كلام متصل ، وهذا كلام منثور لا يشبه بعضه بعضا له طلاوة (٢) ، قال : فكهانة هو؟ قال : لا ، قال : فما هو؟
قال : دعني أفكّر فيه ، فلمّا كان من الغد ، قالوا : يا عبد شمس ما تقول؟
قال : قولوا : هو سحر ، فإنّه آخذ بقلوب الناس ، فأنزل الله تعالى فيه : (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً* وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً* وَبَنِينَ شُهُوداً) إلى قوله : (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ)(٣)(٤).
__________________
(١) فصّلت : ١٣.
(٢) الطلاوة : الرونق والحسن (النهاية ٣ : ١٣٧).
(٣) المدّثّر : ١١ ـ ٣٠.
(٤) عنه في بحار الأنوار ١٨ : ١٨٦ / ١٦ ، إعلام الورى ١ : ١١٠ ، وانظر : تفسير القمّيّ ٢ : ٣٩٣ ، مناقب ابن شهر آشوب ١ : ٥٢.