قال : فما تريدون منّا؟ قال عمرو : خالفونا في ديننا وفرّقوا جماعتنا ، فردّهم إلينا.
فقال جعفر : أيّها الملك ، خالفناهم لنبيّ بعثه الله فينا ، أمرنا بخلع الأنداد ، وترك الاستقسام بالأزلام ، وأمرنا بالصلاة والزكاة ، وحرّم الظلم والجور وسفك الدماء بغير حلّها والزنا والربا والدم والميتة ، وأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي.
فقال النجاشيّ : بهذا بعث الله تعالى عزّ وعلا عيسى عليهالسلام ، ثمّ قال النجاشيّ : أتحفظ ـ يا جعفر ـ ممّا أنزل الله على نبيّك شيئا؟ قال : نعم ، قال : اقرأ ، فقرأ عليه سورة مريم ، فلمّا بلغ إلى قوله : (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا)(١) قال : إنّ هذا هو الحقّ.
فقال عمرو : أيّها الملك ، إنّ هذا ترك ديننا ، فردّه إلينا وإلى بلادنا ، فرفع النجاشيّ يده فضرب بها وجهه ، ثمّ قال : لئن ذكرته بسوء لأقتلنّك ، فخرج عمرو والدم يسفك على ثيابه.
قال : وكان عمارة حسن الوجه وعمرو كان أخرج أهله معه ، فلمّا كانوا في السفينة شربوا الخمر ، قال عمارة لعمرو : قل لأهلك تقبّلني ، فقال عمرو : أيجوز هذا؟ فلمّا تنشّى عمارة ألقى عمروا في البحر ، فتشبّث بصدر السفينة فأخرجوه.
ثمّ إنّهم لمّا كانوا عند النجاشيّ كانت وصيفة على رأسه تذبّ عنه وتنظر إلى عمارة وكان فتى جميلا ، فلمّا رجع عمرو إلى منزله قال لعمارة : لو راسلت جارية الملك ففعل فأجابته ، قال عمرو : قل لها : تحمل إليك من طيب الملك شيئا ، فحملت إليه فأخذه عمرو ، وكان الذي فعل به عمارة في قلبه حيث ألقاه في البحر ، فأدخل الطيب على النجاشيّ وقال : إنّ صاحبي الذي معي راسل حرمتك
__________________
(١) مريم : ٢٥.