الله لهم الكرّة على بخت نصّر ، وانصرفوا بعد ما فتحوا المدينة ، وكان سبب انصرافهم أنّ سهما وقع في جبين فرس بخت نصّر ، فجمح (١) به حتّى أخرجه من باب المدينة.
ثمّ إنّ بني إسرائيل تغيّروا ، فما برحوا حتّى كرّ عليهم ، وذلك قوله تعالى : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ)(٢) فأخبرهم إرميا عليهالسلام أنّ بخت نصّر يتهيّأ للسير إليكم وقد غضب الله عليكم ، وأنّ الله تعالى جلّت عظمته يستتيبكم لصلاح آبائكم ويقول : هل وجدتم أحدا عصاني فسعد بمعصيتي أم هل علمتم أحدا أطاعني فشقي بطاعتي؟
وأمّا أحباركم ورهبانكم فاتّخذوا عبادي خولا (٣) يحكمون فيهم بغير كتابي حتّى أنسوهم ذكري ، وأمّا ملوككم وأمراؤكم فبطروا نعمتي وغرّتهم الدنيا ، وأمّا قرّاؤكم وفقهاؤكم فهم منقادون للملوك ، يبايعونهم على البدع ، ويطيعونهم في معصيتي ، وأمّا الأولاد فيخوضون مع الخائضين وفي كلّ ذلك ألبستهم العافية ، فلأبدلنّهم بالعزّ ذلّا وبالأمن خوفا ، إن دعوني لم أجبهم ، وإن بكوا لم أرحمهم.
فلمّا بلّغهم ذلك نبيّهم كذّبوه وقالوا : لقد أعظمت الفرية على الله ، تزعم أنّ الله يعطّل مساجده من عبادته (٤) فقيّدوه وسجنوه فأقبل بخت نصّر وحاصرهم سبعة أشهر حتّى أكلوا خراهم (٥) وشربوا أبوالهم ، ثمّ بطش بهم بطش الجبّارين بالقتل ، والصلب ، والإحراق ، وجذع الأنوف ، ونزع الألسن والأنياب ، ووقف النساء.
__________________
(١) جمح الفرس : تغلّب على راكبه وذهب به.
(٢) الإسراء : ٧.
(٣) الخول : مثل الخدم والحشم وزنا ومعنى (المصباح المنير : ١٨٥).
(٤) في «ر» «س» «ص» : (معطّل مساجده من عباده).
(٥) في «ر» «س» : (أخلاهم) وفي «ص» والبحار : (خلاهم).