الأولى ونسيها أيضا ، فدعا علماء قومه فقال : رأيت رؤيا أخشى أن يكون فيها هلاككم وهلاكي ، فما تأويلها؟ فعجزوا وجعلوا علّة عجزهم دانيال عليهالسلام ، فأخرجهم ودعا دانيال عليهالسلام ، فسأله ، فقال : رأيت شجرة عظيمة شديدة الخضرة فرعها في السماء عليها طير السماء ، وفي ظلّها وحوش الأرض وسباعها ، فبينما (١) أنت تنظر إليها قد أعجبك بهجتها ، إذ أقبل ملك يحمل حديدة كالفاس على عنقه ، وصرخ بملك آخر في باب من أبواب السماء يقول له : كيف أمرك الله أن تفعل بالشجرة : أمرك أن تجتثّها من أصلها أم أمرك أن تأخذ بعضها؟
فناداه الملك الأعلى : إنّ الله تعالى يقول : خذ منها وأبق ، فنظرت إلى الملك حتّى ضرب رأسها بفاسه ، فانقطع وتفرّق ما كان عليها من الطير ، وما كان تحتها من السباع والوحوش ، وبقي الجذع لا هيئة له ولا حسن.
فقال بخت نصّر : فهذه الرؤيا رأيتها ، فما تأويلها؟
قال : أنت الشجرة ، وما رأيت في رأسها من الطيور فولدك وأهلك ، وأمّا ما رأيت في ظلّها من السباع والوحوش فخولك ورعيّتك ، وكنت قد أغضبت الله فيما تابعت قومك من عمل الصنم.
فقال بخت نصّر : كيف يفعل ربّك بي؟ قال : يبتليك ببدنك فيمسخك سبع سنين ، فإذا مضت رجعت إنسانا كما كنت أوّل مرّة.
فقعد بخت نصّر يبكي سبعة أيّام ، فلمّا فرغ من البكاء ظهر فوق بيته ، فمسخه الله عقابا فطار ، وكان دانيال عليهالسلام يأمر ولده وأهل مملكته أن لا يغيّروا من أمره شيئا حتّى يرجع إليهم ، ثمّ مسخه الله في آخر عمره بعوضة ، فأقبل يطير حتّى دخل بيته ، فحوّله الله إنسانا فاغتسل بالماء ولبس المسوح.
ثمّ أمر بالناس فجمعوا ، فقال : إنّي وإيّاكم كنّا نعبد من دون الله ما لا ينفعنا
__________________
(١) في «ر» «س» : (فبينا).