لأن الشمس اسم مؤنث ليس فيها هاء تدلّ على التأنيث ، والعرب ربما ذكّرت فعل المؤنث إذا سقطت منه علامات التأنيث. قال الفرّاء : أنشدنى بعضهم :
فهى أحوى من الربعىّ خاذلة |
|
والعين بالإثمد الحارىّ مكحول (١) |
ولم يقل : مكحولة والعين أنثى للعلة التي أنبأتك بها. قال : وأنشدنى بعضهم :
فلا مزنة ودقت ودقها |
|
ولا أرض أبقل إبقالها (٢) |
قال : وأنشدنى يونس ـ يعنى النحوىّ البصرىّ ـ عن العرب قول الأعشى :
إلى رجل منهم أسيف كأنما |
|
يضمّ إلى كشحيه كفّا مخضبا (٣) |
وأمّا قوله : (السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ) (٤) فإن شئت جعلت السماء مؤنثة بمنزلة العين فلمّا لم يكن فيها هاء مما يدلّ على التأنيث ذكّر فعلها كما فعل بالعين والأرض فى البيتين.
__________________
(١) فى سيبويه ١ / ٢٤٠ ، وهو فيه لطفيل الغنوي. والشطر الأوّل فيه هكذا :
إذ هى أحوى من الربعىّ حاجبه
وكذلك هو فى ديوان طفيل ٢٩ ، وقبله ـ وهو أوّل القصيدة ـ :
هل حبل شماء قبل البين موصول |
|
أم ليس للصرم عن شماء معدول |
أم ما تسائل عن شماء ما فعلت |
|
وما تحاذر من شماء مفعول |
وتراه يشبه شماء بأحوى من الظباء ، وهو الذي فى ظهره وجنبتى أنفه سواد ، وذكر أن حاجب عينه وعينه مكحولان ، واقتصر فى الخبر على أحدهما ، ورواية الفرّاء : «خاذلة» فى مكان «حاجبه» والخاذلة : الظبية تنفرد عن صواحباتها ، وتقوم على ولدها ، وذلك أجمل لها. شبهها أولا بالظبى ، ثم راعى أنها أنثى فجعلها ظبية. فقوله : «خاذلة» ليس من وصف «أحوى» وإنما هو خبر ثان.
(٢) هذا فى سيبويه ١ / ٢٤٠ ، وقد نسب لعامر بن جوين الطائي. وقال الأعلم : «وصف أرضا مخصبة لكثرة ما نزل بها من الغيث. والودق : المطر. والمزنة : السحاب». وانظر الخزانة ١ / ٢١.
(٣) البيت فى ديوان الأعشى طبع أوربا :
أرى رجلا منكم أسيفا ...
والأسيف من الأسف وهو الحزن. وقوله : «كأنما يضم ...» أي كأنه قطعت يده فخضبت كفه بالدم ، فهو لذلك أسيف حزين.
(٤) آية ١٨ سورة المزمّل.