نعم بقي هنا إشكال ، وهو انّ جعل الحجّية للأمارة إذا كانت مخالفة للواقع يوجب تفويت مصلحة الواقع إذا قامت على إباحة الواجب أو الإلقاء في المفسدة إذا قامت على حلية الحرام واقعاً ، والفرق بين هذا الإشكال والإشكالات المتقدمة هي انّ الإشكالات المتقدّمة مترتبة على فرض حكم ثان وقد نفى بتاتاً ، وهذا الإشكال مترتب على ترخيص العمل بالأمارة بأيّ معنى كان سواء كان هنا حكم ثان أو لا.
ثمّ أجاب عنه قدسسره بأنّه لا مانع من تفويت المصلحة أو الإلقاء في المفسدة إذا كان هناك مصلحة غالبة على مفسدة التفويت أو الإلقاء.
الجواب الثاني (١)
إنّ للشارع حكماً ظاهرياً وراء الحكم الواقعي بمعنى انّ جعل الحجّية للأمارة مستلزم لجعل حكم مماثل لمؤدّاه ، أو بأنّه لا معنى لجعلها إلاجعل تلك الأحكام. فهناك حكمان مجعولان ، ومع ذلك كلّه لا يلزم المحاذير المتقدمة وذلك لاختلاف الحكمين جوهراً.
أحدهما : حكم واقعي ناشئ عن مصلحة أو مفسدة في متعلقه وقد تعلّقت به إرادة نفسانية أو كراهة كذلك.
ثانيهما : حكم طريقي لغاية تنجيز الواقع إذا أصاب والتعذير إذا أخطأ من دون أن تكون مصلحة أو مفسدة في المتعلّق ، أو تتعلّق الإرادة أو الكراهة به ، غاية الأمر وجود المصلحة في نفس إنشاء الحكم موافقاً كان للواقع أو لا ، فعندئذ ترتفع المحاذير السابقة لاختلاف الحكمين جوهراً فليس بمثلين عند الإصابة ، ولا ضدين عند المخالفة ، ولا يلزم اجتماع المصلحة والمفسدة ولا تتعلق الإرادة
__________________
١. أشار إلى هذا الجواب بقوله : نعم لو قيل باستتباع جعل الحجّية للأحكام التكليفية الخ.